بوابة المدينة الكبرى وسمعنا خادم القنصلية الذي كان معنا يدعونا بصوت مرتفع وبلهجة تركية لا نفهمها جيدا إلى مقهى قريب وقال : «ينبغي أن نمكث هنا في انتظار الترامواي الذي سيقدم بعد ساعتين من بغداد»! لقد كان يظن صاحبنا المسكين هذا أننا لم نقدم إلى هنا إلّا لنتنزه في ركوبنا بهذه الحافلة المهشمة وبهذا الطريق المهدم ، ولعله كان يحسبنا على هذا الأساس ناسا معتوهين ولكننا أفهمناه بالإيماء تارة وبالألفاظ تارة أخرى أننا لم نقدم هنا إلّا لكي نزور المسجد والمقبرة التي هناك ، وينبغي لنا بغير تردد أن نذهب لرؤيتهما. وما إن علم بقصدي هذا حتى بدأ الاضطراب والقلق على وجهه واضحا جليّا بيد أن إصراري أجبره على الإذعان لمشيئتنا.
تظهر أزقة الكاظمين أنظف من أزقة بغداد وأن أغلب أهالي هذه المدينة وكسبتها هم من الإيرانيين الذين جاؤوا لزيارة العتبات المقدسة في العراق وبقوا فيها.
وبعد أن جبنا قسما من الأزقة والأسواق سار بنا الدليل إلى فسحة كبيرة من الأرض وضعت في الجهات الثلاث منها كميات كبيرة من الخضروات والفواكه ، أما الجهة الأخيرة التي كانت تقابل باب المقبرة فإنها كانت خالية من كل شيء ، وكان العمال يدخلون منها زرافات ووحدانا ولقد دخلت أنا كذلك منها وعبرت خلال أكوام البطيخ والرقي والكلم (اللهانه) بصعوبة وألم ولكنني كنت فرحة على رغم ذلك .. لأنني كما كنت أقول لنفسي ـ ها أنذا اطلع الآن على تلك المقبرة التاريخية التي طالما تمنيت رؤيتها. ولكن أي وهم كان هذا وأي خيال .. فما كاد باعة الخضروات يعرفون بغيتنا حتى تجمهروا حيالنا ومنعونا من الدخول وقالوا : «الدخول إلى ضريح الإمام موسى الكاظم ممنوع .. أنتم نصارى وليس لكم الدخول إلى مثل هذا المرقد الشريف فأنتم أجدر أن تعودوا أدراجكم وتصرفوا النظر عن تحقيق هذه الرغبة»!!
دهشنا نحن لهذه الأقوال ووقفنا مأخوذين كالمسمّرين في مكاننا لا نبدي حراكا لا للهجتهم وأسلوب حديثهم ، فالواقع أنهم كانوا يتحدثون معنا بأدب ولطف جم ولكننا دهشنا للسبب التافه في منع دخولنا ..