وعلى أي حال أخذ تجمهر الناس يزيد فترة بعد فترة علينا وأخذ جماعة منهم يلومون خادم القنصلية على مرافقته لنا لتحقيق رغبتنا هذه. ورد عليهم الخادم بألفاظ لم نفهمها كانت السبب في هيجان الجمهور المحتشد وإبعاده عن المكان بالقوة وبألفاظ نابية جارحة. وتأثر الخادم المسكين كثيرا لما لحقه من إهانة ، فأراد أن يجرد سيفه من الغلاف ويهجم على هؤلاء المتجمهرين ولكن زوجي مارسل أمسكه من زنده ومنعه من ذلك مخافة أن نقتل جميعا إذا ما أريقت قطرة واحدة من الدم. بيد أن الخادم أبى الإذعان في بادئ الأمر فأخذ يضرب يمنة ويسرة ويحاول التخلص من كفي زوجي القويتين لينتقم ممن ألحقوا به الإهانة!! ولقد ذكرتني هذه الحادثة بحادثة سبق أن اتفقت لنا عند ما أردنا زيارة مرقد «إمام زاده جعفر» في أصفهان من أعمال إيران.
سألني مارسل ماذا يجب أن نعمل بعد كل هذه التطورات؟ أجبته بعد لحظة من التفكير : أرى من الأولى أن نعود من حيث أتينا ونحفظ أنفسنا من القتل. لأننا لم نعد تستطيع بعد هذه الوقائع أن نزور المقبرة ما دام تجمهر الناس على أشدّه ، كما أن موظفي الترك لا يقدمون لنا أية مساعدة في تحقيق رغبتنا هذه .. ولا نستطيع كذلك أن نبادر إلى استعمال القوة مع الإيرانيين في مثل العمل لأنه لم يبق لهم من نفوذ في هذه البلاد سوى هذه الامتيازات المذهبية التي يقدسونها ويحافظون عليها.
ولو كنا قد أقبلنا بمفردنا بغير خادم القنصلية اللعين الذي سبّب تطوير القضية إلى هذا النحو ، ولو استعنا بزعماء الشيعة من رجال الدين لاستحصال إجازة خاصة منهم للقيام بزيارتنا كان تحقيق رغبتنا لا شك فيه ، ولكن الآن قد خسرنا اللعبة ولا حيلة لنا إلّا في العودة والعود أحمد.
حال الأوروبيين الذين يعيشون في تركيا (١) سيئ مؤلم وإن كانوا تبعة دول أقوياء كإنكلترا وفرنسا. فلو أن نصرانيّا ضويق في حياته أو معاشه وحتى إذا قتل فإن اعتراضات واحتجاجات القنصل لا تثمر شيئا والمذنب والمجرم
__________________
(١) في كل مكان من هذه الرحلة يرد اسم ترك أو تركيا فالقصد تركيا العثمانية القديمة.