يبقى حرّا طليقا دون أن يصيبه أذى ، وحتى لو قبض عليه وقدم إلى ساحة العدل فسرعان ما تبرئ المحكمة ساحته وتطلق سراحه. والإنكليز المغرورون الذين يفخرون بنفوذهم في الشرق لا ينجون كذلك مما يلاقيه الأوروبيون الآخرون كما أن الموظفين الأتراك لا يصغون إلى شكاويهم من العذاب الذي يسببه لهم الأهلون والكلمات النابية التي يسمعونهم إياها ..
وقبل مدّة قليلة قدم أحد الصحفيين الإنكليز من نيوهافن (١) إلى هذه البلاد واشتجر مع أحد الأهليين في نزاع قتل على أثره وقطع جسمه إربا إربا بالسكين. وعلى رغم أن القنصل البريطاني كان يعلم اسم القاتل ولديه أدلة كثيرة قاطعة على قيامه بالجريمة ، لم تثمر محاولاته ولم يجد سعيه لدى المسؤولين من الاقتصاص منه وظل القاتل وهو رجل تركي يباشر عمله بحرية واطمئنان.
فالإنسان العاقل على أي حال ينبغي أن يعتبر بمثل هذه الحوادث وأن يتمسك بأهداب الحذر والحيطة في كل عمل يقوم به هنا في هذه البلاد العجيبة ، وأن يحسب ألف حساب لكل خطوة يخطوها. لذلك فضلنا نحن أن نخرج من هذا المعترك دون أن نبدي حمقا وطيشا. سرت أنا أولا ثم تبعني مارسل وكان في مركز الحلقة المضروبة حولنا وهو ممسك بيد خادم القنصلية يجره معه. وبعد لأي وصلنا إلى زقاق ضيق وابتعدنا عن ذلك الجمهور المحتشد الذي أخذ يشبعنا بألفاظ نابية ويرمي بقطع من الأثمار والخضروات علينا ولكن من حسن الحظ أنها كانت فاسدة لينة لم تصب منا مقتلا.
في أثناء تلك الحوادث التي كان زوجي مارسل يتحمل فيها ضربات وألفاظ ذلك الجمع المتجمهر الحانق ، لم أضع الفرصة من يدي فلقد استغللت فرصة انشغال الجمهور وأخذت اتطلع من شق باب المقبرة التي كانت مفتوحة على النصف إلى داخلها واستطعت أن أشهد بعض مرافق المقبرة والباب الذي كان في نهايته صحن واسع جميل. وهذا الباب ـ كما تراءى لي عن كثب ـ
__________________
(١) NewHaven إحدى موانئ إنكلترا الواقعة على بحر المانش.