وحفظ الشريعة عن التحريف والزيادة والنقصان ، وإزالة الشبهات ، وتفسير الكتاب ، وتبيين المشتبهات ، وغير ذلك ألطاف أخر ، التي يقتضيها كماله المطلق ورحيميته المطلقة ، ومن تلك المراتب الهداية الإيصالية.
قال العلّامة الطباطبائي ـ قدسسره ـ إنّ الإمام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه ، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم ، وهدايتها إيصالها إياهم إلى المطلوب بأمر الله ، دون مجرد إراءة الطريق الذي هو شأن النبيّ والرسول (١) ، ولذا قال في ذيل قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (٢) : إنّ الهداية المجعولة من شئون الإمامة ليست هي بمعنى إراءة الطريق ؛ لأنّ الله سبحانه جعل إبراهيم إماما بعد ما جعله نبيا كما أوضحناه في تفسير قوله (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فيما تقدم ولا تنفك النبوّة عن الهداية بمعنى إراءة الطريق ، فلا يبقى للإمامة إلّا الهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب ، وهي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال ونقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر. وإذا كانت تصرفا تكوينيا وعملا باطنيا فالمراد بالأمر الّذي تكون به الهداية ليس هو الأمر التشريعي الاعتباري ، بل ما يفسره في قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (٣) فهو الفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية الّتي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها رحمة من ربهم وإذ كان الإمام يهدي بالأمر ـ والباء للسببية أو الآلة ـ فهو متلبس به أوّلا ومنه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم ، فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربّهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها ، كما أن النبيّ رابط بين الناس وبين ربّهم في أخذ الفيوضات
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ١ ص ٢٧٥ ، شيعه در اسلام : ص ٢٥٣ ـ ٢٦٠.
(٢) الأنبياء : ٧٣.
(٣) يس : ٨٢ ـ ٨٣.