الإمامة في إبراهيم غير النبوّة ، كما يشهد تأخر جعلها عنها فإنّ جعله إماما بعد الابتلاء بالكلمات ومن ابتلاء آته ذبح إسماعيل ، مع أنّه لم يولد له ولد إلّا في حال شيخوخيته وفي هذا الحال قد مضت من نبوّته سنوات متعددة ، فجعل الإمامة بعد جعل النبوة ثم سألها إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لذريته فاجيب بأنّ هذا المقام لا يناله الظالمون منهم ، فالإمامة منزلة بلوغ الإنسان إلى غاية مقامات الانسانيّة بحيث يليق بأن يكون مقتدى لمن سواه من المخلوقين ، ويمكن له أن يهديهم بهدايته الايصالية نحو سعادتهم في الدارين. مضافا إلى هدايتهم بالهداية الإرشادية ، كما قال العلّامة الطباطبائي ـ قدسسره ـ من أنّ الإمام وظيفته هداية الناس في ملكوت أعمالهم بمعنى سوقهم إلى الله سبحانه بإرشادهم وايرادهم درجات القرب من الله سبحانه ، وإنزال كلّ ذي عمل منزله الّذي يستدعيه عمله (١).
ثم إنّ سؤال إبراهيم هذا المقام لذرّيته شاهد على عظمة هذا المقام ، وجواب الله تعالى عن محرومية بعض ذريته عنه بكونها عهد الله ، وهو لا يناله الظالمين أيضا شاهد على عظمة تلك المنزلة ، كما أنّ هذا الجواب ظاهر في بقاء هذا المقام في ذرّيته حيث أخرج من ذريته جميع الظالمين فقط وبقي الباقي تحت الإجابة كما لا يخفى ، فالآية تدلّ على بقاء الامامة في نسله إجمالا ، كما يؤيده ما جاء في الرواية من أنّ المراد من قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (٢) هو بقاء الإمامة في نسل إبراهيم إلى يوم الدين ، على ما حكي عن المجمع ، ويؤيده الروايات المتعددة الّتي وردت في بقاء الإمامة في نسل الحسين ـ عليهالسلام ـ إلى يوم القيامة مستشهدا بالآية المذكورة.
منها ما عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله ـ عليهالسلام ـ عن قول الله
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ١٨ ص ١١١.
(٢) الزخرف : ٢٨.