الخليفة يدلّ على عموم ذلك ، فيكون الإنسان خليفة له في جميع الشئون وكافة الامور على جميع ما استخلف عليه الخليفة ، فلا تختصّ خلافته ببعض دون بعض ، بل هو خليفة عليهم جميعا ، ولذلك لزم أن يكون خليفة الله تعالى عالما بجميع صفات المستخلف وشئون ما يستخلفه عليه ، كما يجب أن تكون له القدرة الضروريّة للتصرّف في الامور (١) ، وهو الإنسان الكامل الّذي يكون خليفة الله تعالى في خلقه.
ثم إنّ هذا الإنسان الّذي يكون كذلك لا يكون جميع آماده ، ضرورة أن هذه الخصائص ليست لجميعهم ، فالمراد منه بعض الآحاد منه وهو الأوحدي من هذا النوع ، ولكن مقتضى تعبيره بأنّي جاعل في الأرض خليفة ، ولم يقل سوف أجعل أو جعلت هو استمرار هذا الجعل في أمد الزمان من أول خلقة آدم إلى يوم القيامة فأوّل فرد من أفراد الإنسان يكون كذلك ، وإلّا لم يكن هو جاعلا في الأرض خليفة ويدوم ذلك كذلك إلى آخر الزمن ، كما يشهد له موثقة اسحاق بن عمّار المرويّة في الكافي حيث قال : قلت لأبي الحسن الأوّل : ألا تدلّني على من آخذ عنه ديني؟ فقال : هذا علي ، إنّ أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ فقال : يا بنيّ إنّ الله عزوجل قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة ، وأنّ الله عزوجل إذا قال قولا وفى به (٢). فوجود الإنسان الكامل الّذي يكون خليفة الله تعالى لا يختصّ بزمان دون زمان.
وقوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٣) بتقريب : أنّ
__________________
(١) راجع الامامة والولاية : ص ١٣ ـ ١٩ ، امامت ورهبرى : ص ١٨٨ ، تفسير الميزان : ج ١ ص ١١٥ ـ ١٢٢.
(٢) تفسير نور الثقلين : ج ١ ص ٤٩ نقلا عن الكافي.
(٣) البقرة : ١٢٤.