المقدمة :
للمحاسبة دور مهم في ترويض النفس وتأديبها وبالتالي السيطرة على نوازع النفس وما تشتهيه وتطلبه من أُمور قد لا تنسجم ومقتضيات الشارع المقدّس وشرعه قال تعالى : ( ... إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) (١) .
ومن المعلوم وجداناً ، أنّ الشركات الكبيرة وكذلك المحلّات التجارية إذا لم تضع لها رأس سنة تعمل فيه الجرد السنوي للمشتريات والمبيعات تخسر ، لابدّ لها من معرفة الصادر والوارد السنوي والذي يرتبط بشكل طبيعي بالصادر والوارد اليومي أو الشهري . فما بالك بالنسبة لعمر الإنسان الذي جعله الله جوهرة ثمينة للانسان وهو مسؤول عنه ، ماذا صنع فيه وما اكتسب خيراً أو شراً . قال تعالى ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (٢) . ومن هنا نلاحظ الأولياء والصلحاء وبعض العلماء يحاسبون أنفسهم أشدّ من محاسبة الشريك لشريكه فمثلاً ينقل عن بعض العلماء كان يحفر له في بيته قبراً وينام فيه كل يوم ويقرأ هذه الآية ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) . ثم يخاطب نفسه يا فلان ارجعوك إلى دار الدنيا اعمل جيداً . هذا من جهة ، ومن جهة أُخرىٰ نجد بعض الأولياء ومن أجل أن يحافظ على حرمة الآخرين والمؤمنين يضع في فمه حصاة حتى لا يتكلّم في كل شيء إلّا في حالات الضرورة وهل يكبّ الناس في النار إلّا حصائد ألسنتهم ، إلى آخره من الأمثلة التي تكشف عن المحاسبة .
______________________
(١) سورة يوسف : الآية ٥٣ .
(٢) سورة الزلزلة : الآية ٧ ـ ٨ .