ولعلّ الهرع النوعي والارتماء بأحضان «العقلانيّة» رغم اختلاف المذاهب وتباين الانتماءات وتصادم الرؤى ، لا يعني إلاّ أمراً واحداً مفاده : إجماع الإنسانيّة على كون «العقلانيّة» القاسم المشترك ونقطة تلاقي كافّة الحضارات والمذاهب والنظريّات الإنسانيّة ، اُؤكّد «الإنسانيّة» ; إذ لا عقلانيّة بدونها ..
فليست «العقلانيّة» إلاّ الممارسة الإنسانيّة المعهودة بخصائصها ، فلا هي قابعة في أعماق المحيطات والبحار ، ولا شاهقة إلى عنان السماء ، ولا مختبئة بحيث يعسر الوصول إليها ، إنّما هي سهلة الوصول ، يسيرة البلوغ ، إن توفّر العزم والحزم والإرادة العلميّة المعرفيّة المنهجيّة السليمة ، فهي تمدّنا إذن أنّى أردنا برواشح الأخلاق والإيمان والفلاح ..
لكن علينا أن ندرك حجم المعاناة والآلام ومقدار الجهد الذي بذله ويبذله أقطاب العقلانيّة من أجل إرساء القيم والمبادئ الصحيحة ; فإنّ جلالة شأنهم وعظم منزلتهم أسمى من التنقيب والبعثرة في زوايا لا تؤدّي إلاّ إلى النكسات والتراجعات ، والخوض في حواشي وهامشيّات ومرجوحات لا واقع لها غالباً ولن تثمر إلاّ الخسران والندم والتقهقر ; على أنّنا لا ننكر على النقد العقلاني الدور الهامّ الذي يضطلع به كمراقب وناظر وملاحظ ومسجِّل ، فلا تُنتقَد العقلانيّة إلاّ بالعقلانيّة ذاتها ، بنفس الأدوات والآليات والمناهج التي تأخذ بعين الاعتبار دوماً المتغيّرات الزمانيّة والمكانيّة مع الحفاظ على الاُصول والثوابت ; فلا يخفى أنّ الأصالة والمعاصرة والتراث والتجدّد لا منافرة ولا تباين بينها إذا استجمعت