البحث
البحث في تفسير التّحرير والتّنوير
الصحابة يشربون الخمر ثم يأتون المسجد للصلاة مع رسول الله فنهاهم الله عن ذلك ولا يخفى بعده ومخالفته لمشهور الآثار.
وقوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) غاية للنهي وإيماء إلى علّته ، واكتفى بقوله (تَقُولُونَ) عن تفعلون لظهور أنّ ذلك الحدّ من السكر قد يفضي إلى اختلال أعمال الصلاة ، إذ العمل يسرع إليه الاختلال باختلال العقل قبل اختلال القول. وفي الآية إيذان بأنّ السكر الخفيف لا يمنع الصلاة يومئذ ؛ أو أريد من الغاية أنّها حالة انتهاء السكر فتبقى بعدها النشوة. وسكارى جمع سكران ، والسكران من أخذ عقله في الانغلاق ، مشتقّ من السّكر ، وهو الغلق ، ومنه سكر الحوض وسكر الباب و (سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) [الحجر : ١٥].
ولمّا نزلت هذه الآية اجتنب المسلمون شرب الخمر في أوقات الصلوات فكانوا لا يشربون إلّا بعد صلاة العشاء وبعد صلاة الصبح ، لبعد ما بين هاتين الصلاتين وبين ما تليانهما ، ثم أكمل مع تحريم قربان الصلاة في حالة السكر تحريم قربانها بدون طهارة.
(وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً).
عطف على جملة (وَأَنْتُمْ سُكارى) لأنّا في محلّ الحال ، وهذا النصب بعد العطف دليل بيّن على أنّ جملة الحال معتبرة في محلّ نصب.
والجنب فعل ، قيل : مصدر ، وقيل : وصف مثل أجد ، وقد تقدّم الكلام فيه آنفا عند قوله : (وَالْجارِ الْجُنُبِ) [النساء : ٣٦] ، والمراد به المباعد للعبادة من الصلاة إذا قارف امرأته حتى يغتسل.
ووصف جنب وصف بالمصدر فلذلك لم يجمع إذ أخبر به عن جمع ، من قوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى). وإطلاق الجنابة على هذا المعنى من عهد الجاهلية ، فإنّ الاغتسال من الجنابة كان معروفا عندهم ، ولعلّه من بقايا الحنيفية ، أو ممّا أخذوه عن اليهود ، فقد جاء الأمر بغسل الجنابة في «الاصحاح» ١٥ من سفر اللاويين من التوراة. وذكر ابن إسحاق ـ في «السيرة» ـ أنّ أبا سفيان ، لما رجع مهزوما من بدر ، حلف أن لا يمسّ رأسه غسل من جنابة حتّى يغزو محمّدا. ولم أقف على شيء من كلام العرب يدلّ على ذكر غسل الجنابة.