البحث
البحث في تفسير التّحرير والتّنوير
ووصف النعمة ب (أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ) للتذكير بأنّ أصل النعمة من الله.
و (ما بِأَنْفُسِهِمْ) موصول وصلة ، والباء للملابسة ، أي ما استقرّ وعلق بهم. وما صدق (ما) النعمة التي أنعم الله عليهم كما يؤذن به قوله : (مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ) والمراد بهذا التغيير تغيير سببه. وهو الشكر بأن يبدلوه بالكفران.
ذلك أنّ الأمم تكون صالحة ثم تتغيّر أحوالها ببطر النعمة فيعظم فسادها ، فذلك تغيير ما كانوا عليه ؛ فإذا أراد الله إصلاحهم أرسل إليهم هداة لهم ، فإذا أصلحوا استمرّت عليهم النعم مثل قوم يونس وهم أهل (نينوى) ، وإذا كذّبوا وبطروا النعمة غيّر الله ما بهم من النعمة إلى عذاب ونقمة. فالغاية المستفادة من (حَتَّى) لانتفاء تغيير نعمة الله على الأقوام هي غاية متّسعة ، لأنّ الأقوام إذا غيّروا ما بأنفسهم من هدى ؛ أمهلهم الله زمنا ثم أرسل إليهم الرسل فإذا أرسل إليهم الرسل فقد نبّههم إلى اقتراب المؤاخذة ثم أمهلهم مدّة لتبليغ الدعوة والنظر فإذا أصرّوا على الكفر غيّر نعمته عليهم بإبدالها بالعذاب أو الذلّ أو الأسر كما فعل ببني إسرائيل حين أفسدوا في الأرض فسلّط عليهم الأشوريين.
و (أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) عطف على قوله : (بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً) أي ذلك بأنّ الله يعلم ما يضمره الناس وما يعملونه ويعلم ما ينطقون به فهو يعاملهم بما يعلم منهم. وذكر صفة (سَمِيعٌ) قبل صفة (عَلِيمٌ) يومئ إلى أن التغيير الذي أحدثه المعرّض بهم متعلّق بأقوالهم وهو دعوتهم آلهة غير الله تعالى.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤))
تكرير لقوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) المذكور قبله لقصد التأكيد والتسميع ، تقرير للإنذار والتهديد ، وخولف بين الجملتين تفنّنا في الأسلوب ، وزيادة للفائدة ، بذكر التكذيب هنا بعد ذكر الكفر هناك ، وهما سببان للأخذ والإهلاك كما قدّمناه آنفا.
وذكر وصف الربوبية هنا دون الاسم العلم لزيادة تفظيع تكذيبهم ، لأنّ الاجتراء على الله مع ملاحظة كونه ربّا للمجترئ ، يزيد جراءته قبحا لإشعاره بأنّها جراءة في موضع الشكر ، لأنّ الربّ يستحقّ الشكر.
وعبر بالإهلاك عوض الأخذ المتقدّم ذكره ليفسّر الأخذ بأنّه آل إلى الإهلاك ، وزيد