والاعتراف : افتعال من عرف. وهو للمبالغة في المعرفة ، ولذلك صار بمعنى الإقرار بالشيء وترك إنكاره ، فالاعتراف بالذنب كناية عن التوبة منه ، لأن الإقرار بالذنب الفائت إنما يكون عند الندم والعزم على عدم العود إليه ، ولا يتصور فيه الإقلاع الذي هو من أركان التوبة لأنه ذنب مضى ، ولكن يشترط فيه العزم على أن لا يعود.
وخلطهم العمل الصالح والسيّئ هو خلطهم حسنات أعمالهم بسيئات التخلف عن الغزو وعدم الإنفاق على الجيش.
وقوله : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) جاء ذكر الشيئين المختلطين بالعطف بالواو على اعتبار استوائهما في وقوع فعل الخلط عليهما. ويقال : خلط كذا بكذا على اعتبار أحد الشيئين المختلطين متلابسين بالخلط ، والتركيبان متساويان في المعنى ، ولكن العطف بالواو أوضح وأحسن فهو أفصح.
وعسى : فعل رجاء. وهي من كلام الله تعالى المخاطب به النبي صلىاللهعليهوسلم فهي كناية عن وقوع المرجو ، وأن الله قد تاب عليهم ؛ ولكن ذكر فعل الرجاء يستتبع معنى اختيار المتكلم في وقوع الشيء وعدم وقوعه.
ومعنى : (أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي يقبل توبتهم ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) في سورة البقرة [٣٧].
وجملة : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تذييل مناسب للمقام.
(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣))
لما كان من شرط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما فات وكان التخلف عن الغزو مشتملا على أمرين هما عدم المشاركة في الجهاد ، وعدم إنفاق المال في الجهاد ، جاء في هذه الآية إرشاد لطريق تداركهم ما يمكن تداركه مما فات وهو نفع المسلمين بالمال ، فالانفاق العظيم على غزوة تبوك استنفد المال المعد لنوائب المسلمين ، فإذا أخذ من المخلفين شيء من المال انجبر به بعض الثلم الذي حلّ بمال المسلمين.
فهذا وجه مناسبة ذكر هذه الآية عقب التي قبلها. وقد روي أن الذين اعترفوا بذنوبهم قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : هذه أموالنا التي بسببها تخلفنا عنك خذها فتصدق بها وطهرنا