عهدهم لا يقبل بعد أن نكثوا لقول الله تعالى : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) ، ولا أن يكون الانتهاء عن الطعن في الدين ، لأنّه إن كان طعنهم في ديننا حاصلا في مدّة قتالهم فلا جدوى لرجاء انتهائهم عنه ، وإن كان بعد أن تضع الحرب أوزارها فإنّه لا يستقيم إذ لا غاية لتنهية القتل بين المسلمين وبينهم ، فتعيّن أنّ المراد : لعلهم ينتهون عن الكفر.
ويجوز أن تكون الجملة استئنافا ابتدائيا لا اتّصال لها بجملة (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) الآية ، بل ناشئة عن قوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ) ـ إلى قوله ـ (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) [التوبة : ٥ ـ ١٢].
والمعنى : المرجو أنّهم ينتهون عن الشرك ويسلمون ، وقد تحقّق ذلك فإنّ هذه الآية نزلت بعد فتح مكة ، وبعد حنين ، ولم يقع نكث بعد ذلك ، ودخل المشركون في الإسلام أفواجا في سنة الوفود.
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣))
تحذير من التواني في قتالهم عدا ما استثني منهم بعد الأمر بقتلهم ، وأسرهم ، وحصارهم ، وسدّ مسالك النجدة في وجوههم ، بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ـ إلى قوله ـ (كُلَّ مَرْصَدٍ) [التوبة : ٥]. وبعد أن أثبتت لهم ثمانية خلال تغري بعدم الهوادة في قتالهم ، وهي قوله : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) [التوبة : ٧] وقوله : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) [التوبة : ٨] وقوله (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) [التوبة : ٨] وقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) [التوبة : ٨] وقوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [التوبة : ٩] وقوله : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) [التوبة : ١٠] وقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة : ١٠] وقوله : (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) [التوبة : ١٢].
فكانت جملة (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) تحذيرا من التراخي في مبادرتهم بالقتال.
ولفظ (أَلا) يحتمل أن يكون مجموع حرفين : هما همزة الاستفهام ، و (لا) النافية ، ويحتمل أن يكون حرفا واحدا للتحضيض ، مثل قوله تعالى : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) [النور : ٢٢]. فعلى الاحتمال الأول يجوز أن يكون الاستفهام إنكاريا ، على انتفاء مقاتلة المشركين في المستقبل ، وهو ما ذهب إليه البيضاوي ، فيكون دفعا لأن يتوهّم