ابن عباس في هذه الآية ، قال : هي رؤيا عين أريها النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس ، رواه الترمذي وقال : إنه قول عائشة ومعاوية وسبعة من التابعين ، سماهم الترمذي. وتأولها جماعة أنها ما رآه ليلة أسري به إذ رأى بيت المقدس وجعل يصفه للمشركين ، ورأى عيرهم واردة في مكان معين من الطريق ووصف لهم حال رجال فيها فكان كما وصف. ويؤيد هذا الوجه قوله : (الَّتِي أَرَيْناكَ) فإنه وصف للرؤيا ليعلم أنها رؤية عين. وقيل : رأى أنه يدخل مكة في سنة الحديبية فرده المشركون فلم يدخلها فافتتن بعض من أسلموا فلما كان العام المقبل دخلها.
وقيل : هي رؤيا مصارع صناديد قريش في بدر أريها النبي صلىاللهعليهوسلم قبل ذلك أي بمكة. وعى هذين القولين فهي رؤيا نوم ورؤيا الأنبياء وحي.
والفتنة : اضطراب الرأي واختلال نظام العيش ، وتطلق على العذاب المكرر الذي لا يطاق ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [البروج : ١٠] ، وقال : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣]. فيكون المعنى على أول القولين في الرؤيا أنها سبب فتنة المشركين بازدياد بعدهم عن الإيمان ، ويكون على القول الثاني أن المرئي وهو عذابهم بالسيف فتنة لهم.
(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)
(وَالشَّجَرَةَ) عطف على الرؤيا ، أي ما جعلنا ذكر الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس. وهذا إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) في سورة الصافات [٦٤ ـ ٦٦] ، وقوله: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) الآية في سورة الدخان [٤٣ ـ ٤٤] ، وقوله : (إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) في سورة الواقعة [٥١ ـ ٥٢].
روي أن أبا جهل قال : «زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر ؛ ثم يقول بأن في النار شجرة لا تحرقها النار». وجهلوا أن الله يخلق في النار شجرة لا تأكلها النار. وهذا مروي عن ابن عباس وأصحابه في «أسباب النزول» للواحدي و «تفسير الطبري». وروي أن ابن الزبعرى قال : الزقوم التمر بالزبد بلغة اليمن ، وأن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه : تمزقوا. فعلى هذا التأويل فالمعنى : أن شجرة الزقوم سبب فتنة مكفرهم وانصرافهم عن الإيمان. ويتعين أن يكون معنى جعل شجرة الزّقوم فتنة على