بغرق الكفرة وتمليك المؤمنين ، وسنحكم بينهم يوم القيامة.
ومعنى (جِئْنا بِكُمْ) أحضرناكم لدينا. والتقدير : جئنا بكم إلينا.
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥))
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) عود إلى التنويه بشأن القرآن فهو متصل بقوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الإسراء : ٨٩]. فلما عطف عليه (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) [الإسراء : ٩٠] الآيات إلى هنا وسمحت مناسبة ذكر تكذيب فرعون موسى ـ عليهالسلام ـ عاد الكلام إلى التنويه بالقرآن لتلك المناسبة.
وقد وصف القرآن بصفتين عظيمتين كل واحدة منهما تحتوي على ثناء عظيم وتنبيه للتدبر فيهما.
وقد ذكر فعل النزول مرتين ، وذكر له في كل مرة متعلق متماثل اللفظ لكنه مختلف المعنى ، فعلق إنزال الله إياه بأنه بالحق فكان معنى الحق الثابت الذي لا ريب فيه ولا كذب ، فهو كقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢] وهو رد لتكذيب المشركين أن يكون القرآن وحيا من عند الله.
وعلق نزول القرآن ، أي بلوغه للناس بأنه بالحق فكان معنى الحق الثاني مقابل الباطل ، أي مشتملا على الحق الذي به قوام صلاح الناس وفوزهم في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] ، وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) [النساء : ١٠٥].
وضمائر الغيبة عائدة إلى القرآن المعروف من المقام.
والباء في الموضعين للمصاحبة لأنه مشتمل على الحق والهدي ، والمصاحبة تشبه الظرفية. ولو لا اختلاف معنى الباءين في الآية لكان قوله : (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) مجرد تأكيد لقوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) لأنه إذا أنزل بالحق نزل به ولا ينبغي المصير إليه ما لم يتعين.
وتقديم المجرور في الموضعين على عامله للقصر ردا على المنكرين الذين ادعوا أنه أساطير الأولين أو سحر مبين أو نحو ذلك.