الماء
اعْلَمْ ، رحمك الله ، أنّ الماء كلمةٌ هكذا على حِيالها ، ذَكروا أنّ همزتها مُنقلبة عن هاء ، لأنّ تصغيرها مُوَيْه وجمعها أَمْوَاهٌ ومِيَاه. والذى فى القرآن «مَاء» فى نيّف وستّين موضعاً. قال جلّ وعزّ : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) ماءً (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) (١) وقال ، جل مِنْ قائلٍ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ) ماءً (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٢) وقال : (وَجَعَلْنا مِنَ) الْماءِ (كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (٣) أى سرُّ الحياة المَاءُ ، الحياة الدُّنيا والحياة الآخرة ، فقال جلّ ثناؤه : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ) ماءٍ (غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) (٤) وقال ، فى صفة أهل النّار : (وَسُقُوا) ماءً (حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (٥).
ولا نعلم شيئا يخلو من الماء ، إلّا ما يُضادُّ جوهرَه وطبيعته ، أعنى النّار التى تؤثِّر فى المَاء تسخيناً وتبخيراً ، ويؤثّر فيها إطفاءً وإماتةً.
والمَاء بارد باتّفاق ، ولكنّ العلماءَ اختلفوا فى أىّ درجةٍ بُرودتُه ، فقيل فى الأُولى ، وقيل فى آخرها إذا لم يُخالطه شىء يوجِب له بَرْداً زائدا أو حَرّاً ويُبْساً إلى غير ذلك.
وقيل انّ رطوبته فى الغاية ، وكذلك بَرْدُه ، لكنّه كالغذاء وإنْ لم يغْذُ ، فلا يَفسد فسادَ الأطعمةِ والأغذية التى هو مُفسِدٌ لها إنْ طالَ مكثُه فيها.
وذكر حكماء اليونان أنّه بارد فى الرّابعة ، فاعترض عليهم بالأفيون فإنّه بارد فى الرّابعة ، ولذا فهو قاتل ببَرْدِه ، فكيف لا يقتل المَاءُ؟ وكيف صارَ القليل من