الأفيون يؤثّر فى البدَن أثَراً ظاهِراً ، والكثير من المَاء لا يؤثِّر ، بل يَنْتفِع به؟ وكيف يكون الأفيون أبردَ من المَاء ، والماءُ أحدُ مُفْرداته؟
فأقول :
المَاء أحد الأُسْطُقْسات (٦) وكل واحدٍ منها مُتجاوز فى طبْعه درجات الأدوية تجاوزاً كبيراً (٧). فالمَاء ليس فى درجة من الدّرجات الأربع ، فهو فى برده ورُطوبته خارجٌ عنها جدّاً ، وأكثر برداً ورطوبةً من الأشياء المركَّبه. وإنّما صار لا يقتُل لأنّ بَردَه ورطوبته بفعلِه. ومعلوم أنّ فى بدن الإنسان حرارة بالفِعْل ، ومعلومٌ كذلك أنّ الحارّ بالفِعْلِ يعْدِلُه الباردُ بالفِعْلِ ، فلهذا صار الماءُ لا يقتُل. وأمّا البارِدُ بالقوَّة فلا يُلائمُ الحارَّ بالفِعْل. فالماءُ إذا وَرَدَ البدَنَ صار أحد الأُسْطُقْسات فأَحياهُ.
وأما الأفيون فليس كذلك ، ولا بَرْدُه بالفِعْل ، فهو مُعانِد للحارّ الذى فى أبداننا لا يُمازجه فيبرِّدُه ويُعَدِّلُه ، بل يُجَمِّده ويُطْفيه ، لأنّه يَحبِس الدَّمَ بأْنْ يَجرى من الأُذَين الأيمن من أُذُنَى القلب الى الأُذَين الأيسر ، ويمنع ما يسرى فى الشّريان الى الأعضاء من الحرارة التى بها الحياة لأنّه بطبعه يمنع ما يسيل الى العُضْو وما يسيلُ منه.
وأمّا الماء فإنّه يلائم الحارّ الغَريزىّ ويُمازجه ويتّحد به ، ويُعِين ما ينبعث من الأذَين الأيمن إلى الأذين الأيسر من أُذُنَى القلب. ولذلك فإذا شرب إنسانٌ ماء بارداً عن حاجةٍ فى وقت صائفٍ اعتدَل مزاجُ قلبه والتَذَّ به.
وأمّا الأفيون فإنّ الإنسان إذا شَمَّه أو تناوله أسْبَتَهُ وكَدَّرَ حاسّاته.
والماء طاهِرٌ مُطَهِّرٌ مُنَقِّ للأوساخ ظاهراً وباطِناً ، ومُطَيِّبٌ مُحَسِّنٌ للمنظر ، وهو أوّل ما ينبغى التّطَيُّبُ به. ويُرْوَى أنّه (ص) قال يوماً لأصحابه : كيف تقولون