وظاهر الاستفهام أنه استفهام عن علة استعجالهم ، وإنما هو استفهام عن المعلول كناية عن انتفاء ما حقه أن يكون سببا لاستعجال العذاب ، فالإنكار متوجه للاستعجال لا لعلته.
ثم أعقب الإنكار المقتضي طلب التخلية عن ذلك بتحريضهم على الإقلاع عن ذلك بالتوبة وطلب المغفرة لما مضى منهم ويرجون أن يرحمهمالله فلا يعذبهم ، وإن كان ما صدر منهم موجبا لاستمرار غضب الله عليهم ، إلا أن الله برحمته جعل التائب من الذنب كمن لم يذنب.
(قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧))
هذا من محاورتهم مع صالح فلذلك لم يعطف فعلا القول وجاء على سنن حكاية أقوال المحاورات كما بيّناه غير مرة.
وأصل (اطَّيَّرْنا) تطيّرنا فقلبت التاء طاء لقرب مخرجيهما وسكنت لتخفيف الإدغام وأدخلت همزة الوصل لابتداء الكلمة بساكن ، والباء للسببية.
ومعنى التطير : التشاؤم. أطلق عليه التطيّر لأن أكثره ينشأ من الاستدلال بحركات الطير من سانح وبارح. وكان التطيّر من أوهام العرب وثمود من العرب ، فقولهم المحكي في هذه الآية حكي به مماثله من كلامهم ولا يريدون التطيّر الحاصل من زجر الطير لأنه يمنع من ذلك قولهم : (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) وقد تقدم مثله عند قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) في سورة الأعراف [١٣١]. وتقدم معنى الشؤم هنالك.
وأجاب صالح كلامهم بأنه ومن معه ليسوا سبب شؤم ولكن سبب شؤمهم وحلول المضار بهم هو قدرة الله.
واستعير لما حلّ بهم اسم الطائر مشاكلة لقولهم (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) ، ومخاطبة لهم بما يفهمون لإصلاح اعتقادهم ، بقرينة قولهم (اطَّيَّرْنا بِكَ).
و (عِنْدَ) للمكان المجازي مستعارا لتحقّق شأن من شئون الله به يقدر الخير والشر وهو تصرف الله وقدره. وقد تقدم نظيره في الأعراف.
وأضرب ب (بَلْ) عن مضمون قولهم : (اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) بأن لا شؤم بسببه هو وسبب من معه ولكن الذين زعموا ذلك قوم فتنهم الشيطان فتنة متجددة بإلقاء الاعتقاد