أنهم آمنوا بالباطل فالكلام موجه كقوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤] ، وقول حسان في أبي سفيان بن حرب أيام جاهليته :
أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشركما لخيركما الفداء |
وفي الجمع بين (آمَنُوا) و (كَفَرُوا) محسّن المضادة وهو الطّباق.
والباطل : ضد الحق ، أي ما ليس بحقيق أن يؤمن به ، أي ما ليس بإله حق ولكنهم يدّعون له الإلهية وذلك إيمانهم بإلهية الأصنام. وأما كفرهم بالله فلأنهم أشركوا معه في الإلهية فكفروا بأعظم صفاته وهي الوحدانية. واسم الإشارة يفيد التنبيه على أن المشار إليهم أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة لأجل الأوصاف التي ذكرت لهم قبل اسم الإشارة مثل : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥].
والقصر المستفاد من تعريف جزأي جملة (هُمُ الْخاسِرُونَ) قصر ادعائيّ للمبالغة في اتصافهم بالخسران العظيم بحيث إن كل خسران في جانب خسرانهم كالعدم ؛ فكأنهم انفردوا بالخسران فأطلق عليهم المركب المفيد قصر الخسران عليهم وذلك لأنهم حقت عليهم الشقاوة العظمى الأبدية. واستعير الخسران لانعكاس المأمول من العمل المكدّ تشبيها بحال من كد في التجارة لينال مالا فأفنى رأس ماله ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦]. [٥٣ ـ ٥٥]
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥))
عطف على جملة : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) [العنكبوت : ٥٠] استقصاء في الرد على شبهاتهم وإبطالا لتعلّات إعراضهم الناشئ عن المكابرة ، وهم يخيلون أنهم إنما أعرضوا لعدم اقتناعهم بآية صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم.
ومناسبة وقوعه هذا أنه لما ذكر كفرهم بالله وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينذرهم على ذلك بالعذاب وكانوا يستعجلونه به ذكر توركهم عليه عقب ذكر الكفر. واستعجال العذاب : طلب تعجيله وهو العذاب الذي توعدوا به. وقصدهم من ذلك الاستخفاف بالوعيد. وتقدم الكلام على تركيب : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) في قوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) في سورة [يونس : ١١] ، وقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ