تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٢١ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تفسير التّحرير والتّنوير

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

ما) [البقرة : ٢٦] وتقدم أيضا آنفا عند قوله (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [الروم : ٢٨] ، وهذا كقوله تعالى (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) المتقدم في سورة الإسراء [٨٩] ، و (الناس) أريد به المشركون لأنهم المقصود من تكرير هذه الأمثال ، وعطف عليه قوله (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) إلخ فهو وصف لتلقي المشركين أمثال القرآن فإذا جاءهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بآية من القرآن فيها إرشادهم تلقوها بالاعتباط والإنكار البحت فقالوا (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ).

وضمير جمع المخاطب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقصد تعظيمه من جانب الله تعالى ، وإنما يقول الذين كفروا : إن أنت إلا مبطل ، فحكي كلامهم بالمعنى للتنويه بشأن الرسول عليه الصلاة والسلام. وقيل : الخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين فهو حكاية باللفظ. وهذا تأنيس للرسول عليه الصلاة والسلام من إيمان معانديه ، أي أئمة الكفر منهم ، ولذلك اعترض بعده بجملة (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) بين الجملتين المتعاطفتين تمهيدا للأمر بالصبر على غلوائهم ، أي تلك سنة أمثالهم ، أي مثل ذلك الطبع الذي علمته يطبع الله على قلوبهم ، وقد تقدم في قوله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) في سورة البقرة [١٤٣] وفي مواضع كثيرة من القرآن.

والطبع على القلب : تصييره غير قابل لفهم الأمور الدينية وهو الختم ، وقد تقدم في قوله تعالى (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) في سورة البقرة [٧].

و (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) مراد بهم الذين كفروا أنفسهم ، فعدل عن الإضمار لزيادة وصفهم بانتفاء العلم عنهم بعد أن وصفوا : بالمجرمين ، والذين ظلموا ، والذين كفروا.

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠))

الأمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر تفرع على جملة (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) [الروم : ٥٨] لتضمنها تأييسه من إيمانهم. وحذف متعلق الأمر بالصبر لدلالة المقام عليه ، أي اصبر على تعنتهم. وجملة (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) تعليل للأمر بالصبر وهو تأنيس للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتحقيق وعد الله من الانتقام من المكذبين ومن نصر الرسول عليه الصلاة والسلام.

والحق : مصدر حقّ يحقّ بمعنى ثبت ، فالحق : الثابت الذي لا ريب فيه ولا مبالغة.

والاستخفاف : مبالغة في جعله خفيفا فالسين والتاء للتقوية مثلها في نحو : استجاب واستمسك ، وهو ضد الصبر. والمعنى : لا يحملنّك على ترك الصبر. والخفة مستعارة