ويجوز أن تكون الإشارة إلى (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وهو الكتاب ، أي ذلك القرآن هدى الله ، أي دليل هدى الله. ومقصده : اهتدى به من شاء الله اهتداءه ، وكفر به من شاء الله ضلاله.
فجملة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) تذييل للاستئناف البياني.
ومعنى (مَنْ يَشاءُ) على تقدير : من يشاء هديه ، أي من تعلّقت مشيئته ، وهي إرادته بأنه يهتدي فخلقه متأثرا بتلك المشيئة فقدّر له الاهتداء ، وفهم من قوله (مَنْ يَشاءُ) أنه لا يهدي به من لم يشأ هديه وهو ما دلت عليه المقابلة بقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) ، أي من لم يشأ هديه فلم يقلع عن ضلاله فلا سبيل لهداه.
والمعنى : إن ذلك لنقص في الضالّ لا في الكتاب الذي من شأنه الهدى.
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤))
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
الجملة اعتراض بين الثناء على القرآن فيما مضى وقوله الآتي : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) [الزمر : ٢٧].
وجعلها المفسرون تفريعا على جملة (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الزمر : ٢٣] بدلالة مجموع الجملتين على فريقين : فريق مهتد ، وفريق ضال ، ففرع على ذلك هذا الاستفهام المستعمل في معنى مجازي. وجعل المفسرون في الكلام حذفا ، وتقدير المحذوف : كمن أمن العذاب أو كمن هو في النعيم. وجعلوا الاستفهام تقريريا أو إنكاريا ، والمقصود : عدم التسوية بين من هو في العذاب وهو الضالّ ومن هو في النعيم وهو الذي هداه الله ، وحذف حال الفريق الآخر لظهوره من المقابلة التي اقتضاها الاستفهام بناء على أن هذا التركيب نظير قوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) [الزمر : ١٩] وقوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الزمر : ٢٢] ، والقول فيه مثل القول في سابقه من الاستفهام وحذف الخبر ، وتقديره : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ، لأن الله أضله كمن أمن من العذاب لأن الله هداه ، وهو كقوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) [محمد : ١٤]. والمعنى : أن الذين اهتدوا لا ينالهم العذاب.