ضارعين الله أن لا يصيبكم مثل ما أصابهم أو خاشين أن يصيبكم مثل ما أصابهم.
والمعنى : ولا تخشون سوء عذاب الإشراك فتقلعوا عنه.
و (سامِدُونَ) : من السمود وهو ما في المرء من الإعجاب بالنفس ، يقال : سمد البعير ، إذا رفع رأسه في سيره ، مثل به حال المتكبر المعرض عن النصح المعجب بما هو فيه بحال البعير في نشاطه.
وقيل السمود : الغناء بلغة حمير. والمعنى : فرحون بأنفسكم تتغنون بالأغاني لقلة الاكتراث بما تسمعون من القرآن كقوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥] على أحد تفسيرين.
وتقديم المجرور للقصر ، أي هذا الحديث ليس أهلا لأن تقابلوه بالضحك والاستهزاء والتكذيب ولا لأن لا يتوب سامعه ، أي لو قابلتم بفعلكم كلاما غيره لكان لكم شبهة في فعلكم ، فأمّا مقابلتكم هذا الحديث بما فعلتم فلا عذر لكم فيها.
(فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢))
تفريع على الإنكار والتوبيخ المفرعين على الإنذار بالوعيد ، فرع عليه أمرهم بالسجود لله لأن ذلك التوبيخ من شأنه أن يعمق في قلوبهم فيكفّهم عما هم فيه من البطر والاستخفاف بالداعي إلى الله. ومقتضى تناسق الضمائر أن الخطاب في قوله : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) موجه إلى المشركين.
والسجود يجوز أن يراد به الخشية كقوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [الرحمن : ٦]. والمعنى : أمرهم بالخضوع إلى الله والكف عن تكذيب رسوله وعن إعراضهم عن القرآن لأن ذلك كله استخفاف بحق الله وكان عليهم لما دعوا إلى الله أن يتدبروا وينظروا في دلائل صدق الرسول والقرآن.
ويجوز أن يكون المراد سجود الصلاة والأمر به كناية عن الأمر بأن يسلموا فإن الصلاة شعار الإسلام ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر : ٤٢ ، ٤٣] ، أي من الذين شأنهم الصلاة وقد جاء نظيره الأمر بالركوع في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) في سورة المرسلات [٤٨] فيجوز فيه المحملان.