الذي حمل عليه آنفا بل بمعنى الصدّيقين والشهداء ممن كانوا قبلهم من الأمم ، قاله في «الكشاف».
ومعنى الصديقين والشهداء حينئذ مغاير للمعنى السابق بالعموم والخصوص على طريقة الاستخدام في الضمير. وطريقة التشبيه البليغ في حمل الخبر على المبتدأ في قوله : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) بتقدير : لهم مثل أجرهم ونورهم ، ولا تأويل في إضافة الأجر والنور إلى الضميرين بهذا المحمل فإن تعريف المضاف بيّن لأنه قد تقرر في علم الناس ما وعد به الصدّيقون والشهداء من الأمم الماضية قال تعالى في شأنهم : (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) [المائدة : ٤٤] وقال : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ) النبيئين (وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩].
وفائدة التشبيه على هذا الوجه تصوير قوة المشبه وإن كان أقوى من المشبه به لأن للأحوال السالفة من الشهرة والتحقق ما يقرّب صورة المشبه عند المخاطب ، ومنه ما في لفظ الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم من التشبيه بقوله : «كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم».
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ).
تتميم اقتضاه ذكر أهل مراتب الإيمان والتنويه بهم ، فأتبع ذلك بوصف أضدادهم لأن ذلك يزيد التنويه بهم بأن إيمانهم أنجاهم من الجحيم.
والمراد بالذين كفروا بالله وكذّبوا بالقرآن ما يشمل المشركين واليهود والنصارى على تفاوت بينهم في دركات الجحيم ، فالمشركون استحقوا الجحيم من جميع جهات كفرهم ، واليهود استحقوه من يوم كذبوا عيسى عليهالسلام ، والنصارى استحقّه بعضهم حين أثبتوا لله ابنا وبعضهم من حين تكذيبهم برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وفي استحضارهم بتعريف اسم الإشارة من التنبيه على أنهم جديرون بذلك لأجل الكفر والتكذيب نظير ما تقدم في قوله : (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ). ولم يؤت في خبرهم بضمير الفصل إذ لا يظن أن غيرهم أصحاب الجحيم.
والتعبير عنهم بأصحاب مضاف إلى الجحيم دلالة على شدة ملازمتهم للجحيم.
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ