وعلم من قوله تعالى : (لِعِدَّتِهِنَ) أنهن النساء المدخول بهن لأن غير المدخول بهن لا عدة لهن إجماعا بنص آية الأحزاب.
وهذه الآية حجة لمالك والشافعي والجمهور أن العدة بالأطهار لا بالحيض فإن الآية دلت على أن يكون إيقاع الطلاق عند مبدإ الاعتداد فلو كان مبدأ الاعتداد هو الحيض لكانت الآية أمرا بإيقاع الطلاق في الحيض ولا خلاف في أن ذلك منهي عنه لحديث عمر في قضية طلاق ابنه عبد الله بن عمر زوجه وهي حائض. واتفق أهل العلم على الأخذ به فكيف يخالف مخالف في معنى القرء خلافا يفضي إلى إبطال حكم القضية في ابن عمر وقد كانت العدة مشروعة من قبل بآية سورة البقرة وآيات الأحزاب فلذلك كان نوط إيقاع الطلاق بالحال التي تكون بها العدة إحالة على أمر معلوم لهم.
وحكمة العدة تقدم بيانها.
(وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ).
الإحصاء : معرفة العدّ وضبطه. وهو مشتق من الحصى وهي صغار الحجارة لأنهم كانوا إذا كثرت أعداد شيء جعلوا لكل معدود حصاة ثم عدوا ذلك الحصى ، قال تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [الجن : ٢٨].
والمعنى : الأمر بضبط أيام العدة والإتيان على جميعها وعدم التساهل فيها لأن التساهل فيها ذريعة إلى أحد أمرين ؛ إما التزويج قبل انتهائها فربّما اختلط النسب ، وإما تطويل المدة على المطلقة في أيام منعها من التزوج لأنها في مدة العدة لا تخلو من حاجة إلى من يقوم بها.
وأما فوات أمد المراجعة إذا كان المطلق قد ثاب إلى مراجعة امرأته.
والتعريف في العدة للعهد فإن الاعتداد مشروع من قبل كما علمته آنفا والكلام على تقدير مضاف لأن المحصى أيام العدة.
والمخاطب بضمير (أَحْصُوا) هم المخاطبون بضمير (إِذا طَلَّقْتُمُ) فيأخذ كل من يتعلق به هذا الحكم حظه من المطلق والمطلقة ومن يطلع على مخالفة ذلك من المسلمين وخاصة ولاة الأمور من الحكام وأهل الحسبة فإنهم الأولى بإقامة شرائع الله في الأمة وبخاصة إذا رأوا تفشى الاستخفاف بما قصدته الشريعة. وقد بيّنا ذلك في باب مقاصد القضاء من كتابي «مقاصد الشريعة».