إفادة الحكم لأن كون ما سبق إنذارا أمر معلوم للمخاطبين. وافتتح الخبر بحرف التأكيد للمبالغة في الإعذار بتنزيلهم منزلة من يتردد في ذلك.
وجعل المسند فعلا مسندا إلى الضمير المنفصل لإفادة تقوّي الحكم ، مع تمثيل المتكلم في مثل المتبرئ من تبعه ما عسى أن يلحق المخاطبين من ضرّ إن لم يأخذوا حذرهم مما أنذرهم به كما يقول النذير عند العرب بعد الإنذار بالعدوّ «أنا النذير العريان».
والإنذار : الإخبار بحصول ما يسوء في مستقبل قريب.
وعبر عنه بالمضي لأن أعظم الإنذار قد حصل بما تقدم من قوله : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً) إلى قوله : (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٢١ ـ ٣٠].
وقرب العذاب مستعمل مجازا في تحققه وإلا فإنه بحسب العرف بعيد ، قال تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) [المعارج : ٦ ، ٧] ، أي لتحققه فهو كالقريب على أن العذاب يصدق بعذاب الآخرة وهو ما تقدم الإنذار به ، ويصدق بعذاب الدنيا من القتل والأسر في غزوات المسلمين لأهل الشرك. وعن مقاتل : هو قتل قريش ببدر. ويشمل عذاب يوم الفتح ويوم حنين كما ورد لفظ العذاب لذلك في قوله تعالى : (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) [التوبة : ١٤] وقوله : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ) [الطور : ٤٧].
(يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)
يجوز أن يتعلق بفعل : (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) [النبأ : ٣٩] فيكون (يَوْمَ يَنْظُرُ) ظرفا لغوا متعلقا ب (أَنْذَرْناكُمْ)
ويجوز أن يكون بدلا من (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) [النبأ : ٣٨] لأن قيام الملائكة صفّا حضور لمحاسبة الناس وتنفيذ فصل القضاء عليهم وذلك حين ينظر المرء ما قدمت يداه ، أي ما عمله سالفا فهو بدل من الظرف تابع له في موقعه.
وعلى كلا الوجهين فجملة (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) معترضة بين الظرف ومتعلقه أو بينه وبين ما أبدل منه.
والمرء : اسم للرجل إذ هو اسم مؤنثه امرأة.
والاقتصار على المرء جري على غالب استعمال العرب في كلامهم ، فالكلام خرج