الانقطاع عن الآباء والأولاد والإخوان واجب بسبب الكفر ، وهو قوله : (إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ).
ثم جاءت الآية التالية : (قُلْ : إِنْ كانَ آباؤُكُمْ) مؤكدة لمضمون الآية السابقة ، وأبان تعالى أنه يجب تحمل جميع هذه المضار الدنيوية ، ليبقى الدين سليما ، إذ سلامة الدين تكون بمباينة الكفار وعدم موالاتهم.
والخلاصة : أن الدين يغير المفاهيم ، فيجعل رابطة الدين أعلى وأقوى وأولى من رابطة العصبية الجنسية ، وصلة القرابة ، والانتماء للأسرة ، ويقرر أن ثمرة الهجرة والجهاد لا تظهر إلا بترك ولاية المشركين ، وإيثار طاعة الله والرسول على كل شيء في الحياة.
التفسير والبيان :
يا أيها المصدقون بالله ورسوله ، لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء تنصرونهم في القتال ، وتؤيدون الكفار لأجلهم ، أو تطلعونهم على أسرار المسلمين العامة أو الحربية ، إن اختاروا الكفر على الإيمان ، وآثروا الشرك على الإسلام ، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون لأنفسهم وأمتهم ؛ لأنه خالفوا الله ورسوله ، بموالاة الكافرين بدلا من التبرؤ منهم.
فبعد أن نهى عن مخالطتهم ، أوضح أن هذا النهي للتحريم لا للتنزيه ، بقوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) قال ابن عباس : هو مشرك مثلهم ؛ لأنه رضي بشركهم ، والرضا بالكفر كفر ، كما أن الرضا بالفسق فسق.
ويؤيد ذلك آية أخرى هي (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ، وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة ٦٠ / ٩].