ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد في سبيله ، مصدرا ذلك بكلمة (إِنِ) المفيدة للشك ؛ لأن حب الكافرين مشكوك فيه من المؤمنين ، والمقصود هو تفضيل حبهم على حب الله ، أما أصل الحب فهو أمر فطري طبعي لا لوم عليه ، ولا مؤاخذة فيه ؛ لأن التكليف يتوجه على الأمور المقدورة للإنسان ، لا على الأمور الجبلية الفطرية كالحب والبغض.
فقال له : قل : إن كنتم تؤثرون هذه الأشياء الثمانية ، وتفضلون الآباء ، والأبناء ، والإخوان ، والأزواج ، والعشيرة (القرابة القريبة) والأموال ، والتجارة ، والمساكن ، على حب الله ورسوله ، أي طاعتهما ، والجهاد في سبيله الذي يحقق السعادة الأبدية في الآخرة ، فانتظروا حتى يأتي الله بعقابه العاجل أو الآجل.
ويمكن تصنيف هذه الأنواع الثمانية بأربعة : وهي مخالطة الأقارب ، وذلك يشمل الآباء والأبناء والإخوان والأزواج ، ثم بقية العشيرة ، والميل إلى إمساك الأموال المكتسبة ، والرغبة في تحصيل الأموال بالتجارة ، والرغبة في المساكن. وهذا ترتيب حسن ، يبدأ بالأشد تعلقا والأدعى إلى المخالطة وهو القرابة ، ثم الحرص على المال ، ثم طريق اكتسابه بالتجارة ، ثم الرغبة في البناء في الأوطان والدور المخصصة للسكنى. ولكن الله تعالى أبان أن رعاية الدين خير من رعاية جملة هذه الأمور.
ومن المعروف أن محبة هذه الأمور الثمانية بالطبيعة ، فمحبة الآباء غريزة عند الأبناء ؛ لأن الولد بضعة من أبيه ، والولد يشعر أن أباه سبب في وجوده ، والعرب قديما وحديثا يفخرون بالآباء ، لهذا حث الله على ذكره في الحج مثل ذكر الآباء أو أشد ، فقال : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [البقرة ٢ / ٢٠٠].