ثم أخبر الله تعالى عن نوع ثالث من الأفعال القبيحة الصادرة عن رؤساء اليهود والنّصارى ، وهو سعيهم في إبطال دعوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإمعانهم في إخفاء أدلّة صحّة شرعه وقوّة دينه.
والمراد من النّور : الدّلائل الدّالّة على صحّة نبوّته.
أوّلها ـ المعجزات القاهرة التي ظهرت على يده.
وثانيها ـ القرآن العظيم الذي ظهر على لسان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم مع أنه كان أميّا.
وثالثها ـ أنّ حاصل شريعته تعظيم الله والثّناء عليه ، والانقياد لطاعته ، وصرف النّفس عن حبّ الدّنيا أي الحرص عليها دون الآخرة ، والتّرغيب في سعادات الآخرة ، والعقل يدلّ على أنه لا طريق إلى الله إلا من هذا الوجه.
ورابعها ـ أن شرعه كان خاليا عن جميع العيوب ، فليس فيه دعوة إلى غير الله ، وإلى إصلاح حياة البشر (١).
ثم إنه تعالى وعد محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم مزيد النّصر والقوة وإعلاء المنزلة ، فقال : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
ثم بيّن الله تعالى بعد خيبتهم في إبطال دعوة الإسلام كيف يتمّ أمره بقوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ).
وفي هذه الآية الأخيرة دلالة على أن رسالة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم تمتاز بكثرة الدّلائل والمعجزات على صحّتها ، وهو الهدى ، وأنها دين الحقّ المشتمل على الصّواب والصّلاح ومطابقة الحكمة وموافقة المنفعة في الدّنيا والآخرة ، وأن دينه يعلو على كلّ الأديان ، ويغلب كلّ الأديان ، فلا دين يصمد أمام النّقاش العلمي والعقلي غير دين الإسلام. والتّاريخ على ممرّ الزّمان يؤكّد إنجاز هذه الوعود علانية في
__________________
(١) تفسير الرّازي : ١٦ / ٣٨ ـ ٣٩