النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في التخلف ، مظهرين أنهم ذوو أعذار ، ولم يكونوا كذلك ، فقال : (لَوْ كانَ عَرَضاً ...).
أي لو كان الأمر الذي دعوتهم إليه غنيمة أو منفعة قريبة المنال ، أو سفرا سهلا قريبا لا عناء فيه ، لاتبعوك أي لجاؤوا معك ، وسارعوا إلى الذهاب ، ولكنهم تخلفوا حينما رأوا أن السفر شاق إلى مسافة بعيدة إلى الشام ، وأن القتال لأكبر قوة في العالم وهم الروم حينذاك ، فآثروا الجبن والراحة والسلامة ، والتفيؤ في الظلال وقت الحر والقيظ ، فدل ذلك على انهم جماعة نفعيون ماديون دنيويون ، كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة : «لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا ـ أي عظما عليه لحم ـ سمينا أو مرماتين (١) حسنتين ، لشهد العشاء» أي لو علم أحدهم أنه يجد شيئا ماديا حاضرا معجّلا يأخذه ، لأتى المسجد من أجله.
ثم أخبر الله تعالى عن شيء سيقع منهم فقال : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) أي سيقسمون بالله اليمين الكاذبة عند رجوعك من غزوة تبوك ، كما قال : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ) [التوبة ٩ / ٩٤](يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) [التوبة ٩ / ٩٦] قائلين : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) ، أي لو لم يكن لنا أعذار لخرجنا معكم.
(يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) في العذاب باليمين الكاذبة أو بالكذب والنفاق ، كما قال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم فيما رواه خيثمة بن سليمان : «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع».
(وَاللهُ يَعْلَمُ ، إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في الاعتذار والاعتلال وحلفهم بالله ، وقولهم : لو استطعنا الخروج لخرجنا معكم ، فإنهم لم يكونوا ذوي أعذار ، وإنما كانوا أقوياء الأجسام ، وأصحاب يسار. قال قتادة : لقد كانوا يستطيعون الخروج ، ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم وزهادة في الجهاد.
__________________
(١) المرماتان : تثنية مرماة : وهي ظلف الشاة ، أو ما بين ظلفها من اللحم.