ثم عاتب الله نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في إذنه لطائفة ممن تخلف من هؤلاء المنافقين ، فقال : (عَفَا اللهُ عَنْكَ ...) أي سامحك الله بإذنك لهم ، لم أذنت لهم بالتخلف ، وهلا استأنيت بالإذن وتوقفت عنه حتى تظهر لك الحقيقة ، ويتبين لك الفريقان : الذين صدقوا ، والذين كذبوا في إبداء الأعذار ، وهلا تركتهم لما استأذنوك لتعلم الصادق منهم من الكاذب ، فإنهم كانوا مصرين على التخلف وإن لم تأذن لهم فيه. على أن الله كره انبعاثهم ، وكان في خروجهم ضرر وخطر على المسلمين.
قال مجاهد : نزلت هذه الآية في أناس قالوا : استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن أذن لكم فاقعدوا ، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
لهذا أخبر الله تعالى أنه لا يستأذنه في القعود عن الغزو أحد يؤمن بالله ورسوله ، فقال: (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) أي لا يستأذنك في القعود عن الغزو المؤمنون بالله واليوم الآخر في أن يجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، بل يقدمون على الجهاد من غير استئذان ؛ لأنهم يرون أن الجهاد قربة وسبيل إلى الجنة ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا ، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات ٤٩ / ١٥].
فليس من شأن المؤمنين ولا من عادتهم أن يستأذنوك في الجهاد ، وكان أكابر المهاجرين والأنصار يقولون : لا نستأذن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الجهاد ، فإن ربنا ندبنا إليه مرة بعد أخرى ، فأي فائدة في الاستئذان؟
والله عليم بالمتقين خبير بمن خافه فاتقاه ، باجتناب ما يسخطه ، وفعل ما يرضيه.
عن أبي هريرة رضياللهعنه أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال فيما رواه مسلم وابن ماجه عن