وهو آلة السماع للمبالغة في وصفه ، وكأن جملته أذن سامعة ، كما يقال للجاسوس : عين. وإيذاؤهم له : هو قولهم فيه : هو أذن. و (أُذُنُ خَيْرٍ) مثل قولك : رجل صدق وشاهد عدل ، تريد الجودة والصلاح ، كأنه قيل : نعم هو أذن ، ولكن نعم الأذن (يُؤْمِنُ بِاللهِ) أي يصدق بالله ، لما قام عنده من الأدلة (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقبل من المؤمنين الخلّص من المهاجرين والأنصار لا من غيرهم ، ويصدقهم بسبب إيمانهم (وَرَحْمَةٌ) أي وهو رحمة لمن آمن منكم ، أي أظهر الإيمان أيها المنافقون حيث يسمع منكم ، ويقبل إيمانكم الظاهر ، ولا يفضح أسراركم ، ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين ، فهو أذن كما قلتم ، إلا أنه أذن خير لكم ، لا أذن سوء ، ومستمع خير لا مستمع شر.
سبب النزول :
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان نبتل بن الحارث (١) يأتي رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيجلس إليه ، فيسمع منه ، وينقل حديثه إلى المنافقين ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) الآية.
وذكر القرطبي : أن الآية نزلت في عتّاب بن قشير قال : إنما محمد أذن ، يقبل كل ما قيل له.
وقال ابن عباس رضياللهعنه : إن جماعة من المنافقين ذكروا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما لا ينبغي من القول ، فقال بعضهم : لا تفعلوا ، فإنا نخاف أن يبلغه ما نقول ، فقال الجلاس بن سويد بن الصامت : بل نقول ما شئنا ، ثم نذهب إليه ، ونحلف أنا ما قلنا ، فيقبل قولنا ، إنما محمد أذن سامعة ، فنزلت هذه الآية.
والغرض من كلامهم أنه ليس له ذكاء ولا تعمق في الأمور ، بل هو سليم القلب ، سريع الاغترار بكل ما يسمع ، فلهذا سموه بأنه أذن ، كما أن الجاسوس يسمى بالعين.
__________________
(١) كان نبتل رجلا جسيما ثائر شعر الرأس واللحية ، آدم أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوّه الخلقة ، وهو الذي قال فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث» والسّفعة : سواد مشرب بحمرة.