ثم بيّن الله تعالى مصير أعمال جميع المنافقين والكفار المتقدّمين واللاحقين ، فقال : (أُولئِكَ حَبِطَتْ ...) أي إن أولئك المنافقين والكفار بطلت مساعيهم وحسناتهم وفسدت أعمالهم في الدّنيا ، لأنها أعمال رياء وسمعة ، وفي الآخرة ، فلم يكن لهم أجر أو ثواب ، لأنهم لم يقصدوا وجه الله ، ولأن شرط الثواب عليها الإيمان ، وهم لم يؤمنوا حقّا ، بل أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، فكانوا منافقين. وأولئك هم الخاسرون الذين خسروا في مظنة الرّبح والمنفعة ، لأنهم لم يحصلوا على الثّواب ، وأتعبوا أنفسهم في الرّدّ على الأنبياء والرّسل ، فما وجدوا إلّا فوات الخيرات في الدّنيا والآخرة ، وإلّا حصول العقاب في الدّنيا والآخرة.
وذلك مثل قوله تعالى : (قُلْ : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف ١٨ / ١٠٣ ـ ١٠٤] ، وقوله تعالى : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ...) نقيض فعل الصّالحين المشار إليه في قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا ، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت ٢٩ / ٢٧].
والمقصود : أنه تعالى بعد أن شبّه حال هؤلاء المنافقين بأولئك الكفار ، بيّن أن أولئك الكفار لم يحصل لهم إلا حبوط الأعمال ، وإلّا الخزي والخسار ، مع أنهم كانوا أقوى من هؤلاء المنافقين وأكثر أموالا وأولادا منهم ، مما جعل هؤلاء المنافقين أولى بالوقوع في عذاب الدّنيا والآخرة ، والحرمان من خيرات الدّنيا والآخرة (١).
ثم وعظ الله تعالى هؤلاء المنافقين المكذّبين للرّسل وأنذرهم بقوله : (أَلَمْ يَأْتِهِمْ ...) أي ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من الأمم المكذّبة للرّسل ، وذكر طوائف ستّة ، وهم قوم نوح الذين أغرقوا بالطّوفان الذي عمّ جميع أهل الأرض القديمة إلا من آمن بنوح عليهالسلام ، وعاد قوم هود الذين أهلكوا بالرّيح العقيم
__________________
(١) تفسير الرّازي : ١٦ / ١٢٩