المناسبة :
لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن المنافقين ، وتفضح أسرارهم ، وتكشف أحوالهم للناس ، وبما أنهم أقسام وأصناف ذكرهم تعالى على التفصيل ، فقال : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) [التوبة ٩ / ٦١](وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [التوبة ٩ / ٥٨](وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [التوبة ٩ / ٤٩](وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ).
التفسير والبيان :
وبعض المنافقين عاهد الله ورسوله : لئن أغناه الله من فضله ، ليصدّقن وليكونن من الصالحين الذين ينفقون أموالهم في مرضاة الله ، كصلة الرحم والجهاد. فقوله : (لَنَصَّدَّقَنَ) إشارة إلى إخراج الزكاة الواجبة ، وقوله : (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) إشارة إلى إخراج كل مال يجب إخراجه على الإطلاق.
فلما رزقهم الله تعالى ، وأعطاهم من فضله ما طلبوا ، لم يوفوا بما قالوا ، ولم يصدقوا فيما وعدوا ، وإنما بخلوا به وأمسكوه ، فلم يتصدقوا منه بشيء ، ولم ينفقوا منه في مصالح الأمة كما عاهدوا الله عليه ، بل تولوا بكل ما أوتوا من قوة عن العهد وطاعة الله ، وأعرضوا إعراضا جازما عن النفقة وعن الإسلام ، بسبب تأصل طبع النفاق في نفوسهم.
وبخلوا به أي بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال في الخير ، وبالوفاء بما ضمنوا والتزموا. وهم معرضون أي عن الإسلام. وهذا يدل على أنه تعالى وصفهم بصفات ثلاث : الأولى : البخل : وهو عبارة عن منع الحق ، والثانية : التولي عن العهد ، والثالثة : الإعراض عن تكاليف الله وأوامره.