وقعد عن الجهاد (الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بادعائهم الإيمان ، وهم منافقو الأعراب الذين جاؤوا وما اعتذروا ، وظهر بذلك أنهم كاذبون.
ثم أوعدهم بالعذاب ، فقال : (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الدنيا بالقتل ، وفي الآخرة بالنار ؛ لاعتذار الأولين بغير حق ، وقعود الآخرين عن القتال وعن المجيء للاعتذار الذين كذبوا الله ورسوله من منافقي الأعراب ، فالآية بشقيها في منافقي الأعراب ، سواء من انتحل العذر بالباطل ، ومن لم ينتحل وتخلف عن الجهاد ، وعاقبتهم العقاب الشديد الأليم في الدنيا والآخرة بالقتل والنار. وإنما قال : (مِنْهُمْ) الدال على التبعيض ؛ لأنه تعالى كان عالما بأن بعضهم سيؤمن ويتخلص من هذا العقاب.
ومن المفسرين من جعل القسم الأول معذورين صادقين ، وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة ، أو هم أسد وغطفان جاؤوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعتذرون إليه بسبب الضعف وعدم القدرة على الخروج ، بدليل أنه تعالى لما ذكرهم قال بعدهم : (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فلما ميز أولئك عن الكاذبين ، دل ذلك على أنهم ليسوا بكاذبين. ورجح ابن كثير هذا القول لما ذكر ، ورجح الرازي والزمخشري القول الأول بدلالة سياق الكلام ؛ لأنهم جاؤوا ليؤذن لهم ، ولو كانوا معذورين بحق لم يحتاجوا إلى الاستئذان.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآية على أن مصير المنافقين (الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بادعائهم الإيمان ، والكاذبين من المعتذرين هو العقاب في نار جهنم ، بسبب عدم إيمانهم ، وبسبب كذبهم ، وكل من الكفر أو ادعاء الإيمان في الظاهر ، والكذب التابع له أمر عظيم يستحق فاعله العقوبة عليه.