المناسبة :
لما شرح الله تعالى أحوال مشركي مكة من خروجهم إلى قتال المؤمنين بطرا ورياء ، ومن تزيين الشيطان لهم أعمالهم ، وتثبيط المنافقين للمؤمنين ، شرح أحوال موتهم ، والعذاب الذي يلقونه في ذلك الوقت.
التفسير والبيان :
ولو عاينت يا محمد حال الكفار حين تتوفاهم الملائكة ، لرأيت أمرا عظيما هائلا فظيعا لا يكاد يوصف ، فهم يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد ، وينزعون أرواحهم من أجسادهم بشدة وعنف ، قائلين لهم : ذوقوا عذاب الحريق أي عذاب النار في الآخرة ، وهذا إنذار لهم بذلك العذاب.
ذلك العذاب الشديد والضرب الأليم بسبب ما قدمتم من أعمال سيئة ، وارتكبتم من منكرات كالكفر والظلم في حياتكم الدنيا. ونسب ارتكاب المعاصي إلى الأيدي مع أنها تقع بغيرها كالأرجل وسائر الحواس ؛ لأن أكثر الأعمال تقع بها.
جازاكم الله بها هذا الجزاء عدلا لا ظلما ؛ لأن الله لا يظلم أحدا من خلقه ، بل هو الحكم العدل الذي لا يجور أبدا ، ويضع الموازين القسط ليوم القيامة ، ويعطي كل ذي حق حقه ، فلا تظلم نفس شيئا. جاء في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي ذررضياللهعنه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إن الله تعالى يقول : يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا ... يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه».
ثم عقد الحق تبارك وتعالى مقارنة ، وأعطى شبها ومثلا لعذاب المشركين ،