وإن يريدوا بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا ، فالله يكفيك أمرهم وينصرك عليهم ، فهو كافيك وحده.
وهذا دليل واضح على إيثار السلم وتفضيله على الحرب ؛ لأن الإسلام دين السّلام والهداية والمحبة ، ولا يلجأ في شرعه إلى القتال إلا عند وجود الظروف القاهرة ، والضرورات الملجئة.
ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ، ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم تسع سنين ، أجابهم إلى ذلك ، مع ما اشترطوا من شروط مجحفة في حق المسلمين. روى عبد الله ابن الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب رضياللهعنه قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنه سيكون اختلاف أو أمر ، فإن استطعت أن يكون السلم فافعل».
وأما ما نقل عن ابن عباس وجماعة آخرين من التابعين : أن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [٢٩] ففيه نظر ، كما ذكر ابن كثير ؛ لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك ، فأما إذا كان العدو كثيفا ، فإنه يجوز مهادنتهم ، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، وكما فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الحديبية ، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص (١).
ثم ذكر الله تعالى نعمته عليه بما أيده من المؤمنين : المهاجرين والأنصار ، فقال : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) أي لا تأبه بمكرهم وخديعتهم ، فإن الله أيدك بنصره ومعونته ، وأيدك بالمؤمنين ، وجعلهم أمة متآلفة واحدة على الإيمان بك وعلى طاعتك ، وعلى مناصرتك ومؤازرتك ، فكان التأييد على
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣