أو الشمع يصرّفه من غير نار ولا طرق. (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) أي وقلنا له اعمل دروعا كوامل تامة ، وهو أول من اتخذها. (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي اجعل النسج متناسبا في الحلق على قدر الحاجة غير مختلفة. و (قَدِّرْ) : اقتصد ، و (السَّرْدِ) : النسج ، يقال لصانع الدروع : سرّاد وزرّاد. (وَاعْمَلُوا صالِحاً) يعود الضمير لداود وأهله أي آل داود. (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) مطلع على كل أعمالكم ، فأجازيكم عليها.
المناسبة :
لما ذكر الله تعالى من ينيب من عباده ، ذكر نماذج ممن أنابوا إلى ربّهم ومنهم داود عليهالسلام ، وبيّن ما آتاه الله على إنابته ، من النبوة والملك والجنود والزبور والصوت الحسن ، فكانت الجبال والطيور إذا سبّح تسبّح معه ، وعلّمه تعالى صناعة الدروع الحربية للوقاية من الضربات في الحروب.
التفسير والبيان :
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) يخبر تعالى عما أنعم به على رسوله داود عليهالسلام مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك العظيم المتمكن والجنود ، ومنحه من الصوت الرخيم القوي المؤثر ، الذي كان إذا سبّح سبّحت معه الجبال الراسيات ، والطيور السارحات : الغاديات الرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات.
والمعنى : لقد أعطينا داود فضلا عظيما ونعما جليلة ، فقلنا للجبال والطير : رددي معه التسبيح إذا سبّح.
جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري رضياللهعنه ، يقرأ من الليل فوقف ، فاستمع لقراءته ، ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود».