ثبت في الصحيحين : «سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ـ فذكر منهم ـ : ورجل تصدّق بصدقة ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وفي حديث آخر : «والصدقة تطفئ الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار». وهذه مرتبة تعد ترجمانا عمليا للخصال السابقة ؛ لأن بذل المال شاق على النفس ، لمحبتها إياه ، وهي دليل على محبة الإنسان لأخيه ، فيساعده لينقذه من آفات الفقر والحاجة ، كما أن الصدقة تزكية للمال وتطهير له.
٨ ـ الصوم فرضا ونفلا : وفيه تسأم روحي عن التعلق بالماديات ، والإقبال على عبادة الله ، ومن أكبر المعونة على كسر حدّة الشهوة ، كما ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه عن ابن مسعود عنه صلىاللهعليهوسلم : «يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء» وهو أيضا تزكية للبدن ، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه عنه صلىاللهعليهوسلم : «والصوم : زكاة البدن» أي يزكيه ويطهره وينقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا ، كما قال سعيد بن جبير : «من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر ، دخل في قوله تعالى : (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ).
٩ ـ العفّة وحفظ الفروج عن المحارم والمآثم ، إلا عن المباح ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ٥ ـ ٧]. ومن اخترق حرمة الفروج وزنى ، هان عليه اختراق حرمات الدين كلها ، ومن صان فرجه وعفّ نفسه ، كان من الطاهرين الأصفياء الذين استحقوا رضوان الله تعالى.
ويلاحظ أن بين المرتبتين الأخيرتين تجانسا ، فالصّوام إشارة إلى الذين لا تمنعهم الشهوة الباطنية من عبادة الله ، والأعفّاء حفظة الفروج إشارة إلى الذين لا تمنعهم شهوة الفرج عن العبادة.