قوله : (هَلْ مِنْ خالِقٍ يَرْزُقُكُمْ ...) للتقرير ، أي لا خالق رازق غيره (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فكيف تصرفون عن توحيد الخالق ، مع إقراركم بأنه الخالق الرازق.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد في دعوتك إلى التوحيد والبعث والحساب والعقاب (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) في ذلك ، فاصبر كما صبروا. وفي هذا دعوة له للتأسي بمن قبله من الأنبياء ، وتسلية عن تكذيب كفار العرب له (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي المصير النهائي المحتوم إلى الله ، فيجازي كلا بما يستحقه ، يجازي المكذبين ، وينصر المرسلين.
التفسير والبيان :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي لله الشكر الخالص على نعمه وقدرته ، فإنه خلق السموات والأرض وأبدعهما ، لا على مثال سابق ، وأحكم نظامهما. فموضوع الآية : أن الله تعالى يحمد نفسه على عظيم قدرته وعلمه وحكمته التي يشهد عليها ابتداء خلق السموات والأرض من العدم ، واختراعهما على غير مثال ، قال سفيان الثوري بسنده عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : «كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما لصاحبه : هذه بئري وأنا فطرتها» أي بدأتها.
والمقصود من هذا أن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم ، فهو قادر على الإعادة.
(جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي إنه تعالى جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه لتبليغ رسالاته وغير ذلك ، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وهم ذوو أجنحة متعددة ، بعضهم له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة ، وبعضهم له أربعة ، وبعضهم له أكثر من ذلك ، ينزلون بها من السماء إلى الأرض ، ويعرجون بها من الأرض إلى السماء. جاء في الحديث الصحيح عن مسلم عن ابن مسعود «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى جبريل عليهالسلام ، وله ستّ مائة جناح ، بين كل جناحين ، كما بين المشرق والمغرب». ولهذا قال جلّ وعلا :