(يا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ، وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي يا أيها البشر جميعا ، أنتم المحتاجون إلى الله تعالى على الإطلاق ، في منح القدرة على الحياة والبقاء ، وفي جميع الحركات والسكنات ، وفي جميع أمور الدين والدنيا ، لذا فاعبدوه وحده ؛ لأن ثمرة العبادة عائدة إليكم وحدكم ، والله هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له عن عبادتكم وغيرها ، وهو المحمود المشكور على نعمه وعلى جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه. وذكر (الْحَمِيدُ) ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه ، الجواد المنعم عليهم ، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه.
ثم أبان غناه وقدرته التامة بإمكانه استبدالكم ، وأنه غير محتاج إليكم ، فقال :
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ، وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي لو شاء لأفناكم أيها الناس ، وأتى بقوم غيركم ، يكونون أطوع منكم ، وأجمل وأحسن وأتم ، وما ذلك بصعب عليه ولا ممتنع ، بل هو يسير هيّن عليه.
وفي هذا تهديد ووعيد وتبديد لأوهامكم أنه لو أذهب البشر لزال ملكه وعظمته.
ثم دعاهم إلى النظر والتأمل في المستقبل ، وأخبرهم بمسؤولية كل إنسان يوم القيامة عن نفسه فقط دون غيره ، فقال :
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ولا تحمل نفس آثمة أو مذنبة إثم أو ذنب نفس أخرى. وهذا لا يمنع مضاعفة الإثم للمضلين القادة ، كما قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ، وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ١٣].
(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أي وإن طلبت نفس مثقلة بالأوزار والذنوب مساعدة نفس أخرى في حملها ، لتحمل