القرآن ، ينذركم بالعقاب إن عصيتم. وقيل : النذير : الشيب. وقال الرازي : أي آتيناكم عقولا ، وأرسلنا إليكم من يؤيد المعقول بالدليل المنقول.
وبه يتبين أن الله تعالى احتج عليهم بالعمر والرسل ؛ لقوله تعالى :
(وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ ، قالَ : إِنَّكُمْ ماكِثُونَ ، لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) [الزخرف ٤٣ / ٧٧ ـ ٧٨] وقوله سبحانه : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها : أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟ قالُوا : بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ ، فَكَذَّبْنا وَقُلْنا : ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) [الملك ٦٧ / ٨ ـ ٩].
(فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) أي فذوقوا عذاب جهنم ، جزاء على مخالفتكم للأنبياء في الدنيا ، فليس لكم اليوم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال ، وهو تهكم بصيغة الأمر مثل قوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان ٤٤ / ٤٩].
ثم أخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع الأمور ومنها أحوالهم ، فقال :
(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي إن الله يعلم كل أمر خفي في السموات والأرض ، ومنها أعمال العباد ، لا تخفى منها خافية ، فلو ردّكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا ، كما قال سبحانه : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام ٦ / ٢٨] وذلك لأنه عليم بما تنطوي عليه الضمائر ، وبما تكنّه السرائر ، من المعتقدات والظنون وحديث النفس ، وسيجازي كل عامل بعمله.
وفيه إشارة إلى أنه لو أعادهم إلى الدنيا لم يعدلوا عن الكفر أبدا. وقوله : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تعليل لشمول علمه.