أقسم بالقرآن ذي الحكمة البالغة ، المحكم بنظمه ومعناه بأنك يا محمد لرسول من عند الله على منهج سليم ، ودين قويم ، وشرع مستقيم لا عوج فيه.
وفي هذا إشارة إلى أن القرآن هو المعجزة الباقية ، وأن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، صادق في نبوته ، ومرسل برسالة دائمة من عند ربه.
(تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) أي هذا القرآن والدين والصراط الذي جئت به تنزيل من رب العزة ، الرحيم بعباده المؤمنين ، كما قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) [الشورى ٤٢ / ٥٢ ـ ٥٣].
وهذا دليل واضح على مكانة القرآن وأنه أجل نعمة من نعم الرحمن.
(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ، فَهُمْ غافِلُونَ) أي أرسلناك أيها النبي لتنذر العرب الذين لم يأتهم رسول نذير من قبلك ، ولم يأت آباءهم الأقربين من ينذرهم ويعرّفهم شرائع الله تعالى ، فهم غافلون عن معرفة الحق والنور والشرائع التي تسعد البشر في الدارين.
لكنّ ذكرهم وحدهم هنا للعناية بهم وتوجيه الخطاب لهم : لا ينفي كونه مرسلا إلى الناس كافة ، بدليل الآيات والأحاديث المتواترة المعروفة في عموم بعثته صلىاللهعليهوسلم ، مثل قوله تعالى : (قُلْ : يا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف ٧ / ١٥٨] وقوله صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه الشيخان والنسائي عن جابر : «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة».
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة ، وهو ما سجّل عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالقرآن وبمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وهم الذين علم الله أنهم يموتون على الكفر ، ويصرون عليه طوال حياتهم.