والمراد بالقول : الحكم والقضاء الأزلي ، وهو سبق علم الله بنهاياتهم ، لا بطريق الجبر والإلجاء ، بل باختيارهم وإصرارهم على الكفر ، وفي هذا تطمين للنبي صلىاللهعليهوسلم حتى لا يجزع ولا يأسف على عدم إيمانهم به.
ثم ضرب الله تعالى مثلا لتصميمهم على الكفر وأنه لا سبيل إلى إيمانهم ، فقال : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً ، فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) أي إنا جعلنا أيديهم مشدودة إلى أعناقهم بالقيود ، تمنعهم من فعل شيء ، فصاروا مرفوعي الرؤوس خافضي الأبصار. وهذا يعني أن الله جعلهم كالمغلولين المقمحين (الرافعي رؤوسهم الغاضي أبصارهم) في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ، ولا يوجهون أنظارهم نحوه ، وهم أيضا كالقائمين بين سدين ، لا يبصرون أمامهم ولا خلفهم ، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله ، كما قال :
(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ، فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) أي تأكيدا لما سبق في تصوير حالتهم أنهم بتعاليهم عن النظر في آيات الله جعلوا كمن أحاط به سدان من الأمام والخلف ، فمنعاه من النظر ، فهو لا يبصر شيئا ، وهؤلاء لا ينتفعون بخير ، ولا يهتدون إليه ؛ لأنا غطينا أبصارهم عن الحق.
وهذا مثل صائب لأهل الجهالة والتخلف والبدائية الذين حجبوا مداركهم وأبصارهم عن التأمل في معطيات المدنية والتقدم والحضارة ، وهو تمثيل رائع للسد الإلهي المعنوي بالسد الحاجز المادي الحسي.
ونتيجة لما سبق :
(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي إن إنذارك لهؤلاء المصرين على كفرهم وعدمه سواء ، فلا ينفعهم الإنذار ، ما داموا غير مستعدين