التفسير والبيان :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ، وَذَرُوا الْبَيْعَ ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي يا أيها المؤمنون بالله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، إذا أذّن لصلاة الجمعة الأذان الثاني بعد أن يجلس الخطيب على المنبر ، لأنه الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أما الأذان الأول فقد زاده عثمان رضياللهعنه بمحضر الصحابة لما اتسعت المدينة ، وذلك على الزّوراء (أعلى دار كانت بالمدينة قرب المسجد) وسمي أذانا ثالثا إضافة إلى الإقامة ، كما قال صلىاللهعليهوسلم فيما رواه الجماعة عن عبد الله بن مغفّل : «بين كل أذانين صلاة لمن شاء» يعني الأذان والإقامة.
إذا أذن للجمعة ، فبادروا إلى السعي أو المضي إلى ذكر الله وهو الخطبة وصلاة الجمعة في المساجد الجامعة ، بعد الإعداد لذلك والتهيؤ للصلاة بالغسل والوضوء والطيب واللباس الجديد أو النظيف الأبيض ونحوها ، واتركوا البيع وسائر أوجه المعاملات من إجارة وشركة ونحوهما ، وذلكم السعي إلى ذكر الله وترك البيع خير من فعل البيع وترك السعي ، لما في الامتثال من الأجر والجزاء ، إن كنتم من أهل الدراية والعلم الصحيح بما ينفع ، فإنه لا يخفى عليكم أن ذلك خير لكم. ولفظ (من) إما بمعنى (في) أو تبعيضية. وخص البيع بالذكر ، لأنه من أهم ما يشتغل به المرء في النهار من أسباب المعاش ، وفيه إشارة إلى ترك جميع أنواع التجارة.
وتخصيص الجمعة بفريضتها تشريع للمسلمين في مقابل السبت عند اليهود. وليس المراد بالسعي في الآية المشي السريع ، وإنما هو الاهتمام بها ، كقوله تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ ...) [الإسراء ١٧ / ١٩]. فأما المشي السريع إلى الصلاة ، فقد نهي عنه ، لما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضياللهعنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا سمعتم الإقامة ، فامشوا إلى