املك من طاقات جسدانية ونفسية كنت احسبها تغنيني ، ومن أعوان وأنصار تكفيني ، كل هذه ما أغنت عني يوم الفقر الأكبر ، الذي لم أحسب له حسابا.
(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) : فلا ماله بقي ولا ما له وقد هلكا ، ولا السلطان والقدرات فما بقي لها نفع ، فسلطان الطاقات ، وسلطان الأعوان والصداقات ، وسلطان الجاه والمال كلها كانت قوى وهمية وواهية ، انها هلكت وبقيت لي فقط سيئات الأعمال ، وليس المآل الا أمر الله المتعال :
(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) : كما غل نفسه يوم الدنيا باغلال الشهوات ، واستغل معطيات الحياة كلها للحيوانات (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) : أوقدوه نارا شديدة التأجج ، فبوقوده تتأجج فيحرق حوامش الضلالة (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) : الغل الأكبر بعد الغل المسبق قبل الجحيم ، والسلسلة السبعون تسلكه ، وبعد ماذا؟ بعد ما يصدر من العلي الأعلى الأمر بأخذ هذه الحشرة الصغيرة المكروبة المذهولة ، فيبتدر لتحقيق أمر الله الملائكة الغلاظ الشداد ومعهم من معهم من المنتدبين للتنفيذ ، تدور السلسلة حوله فتقيدة ، ولو كان هناك مجال لأصبحت السلسلة ملايين الأمتار لتسابق النادبين في سلكه بالسلسلة ، لكنما المغلول محدود هكذا ، وأمر الله محدد بالسبعين ، عله مقصود لحده ، وعله كناية عن طوله ومده بالكثرة الكثيرة : و «لو أن حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها» (١) ولماذا هذا العذاب الشديد؟ (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) : كأن كيانه بشرّه أصبح تأبيا عن الإيمان بالله «كان» مستمرا معاندا دائبا (لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) الذي ترى عظمته في الخلق أجمع ، وفي ضمير هذا الصغير! وأقل جزاء له هذا العذاب الشديد.
(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) : فقد قطع حبلا من الله إذ لم يؤمن به ،
__________________
(١) نور الثقلين (٥ : ٤٠٩) الحديث ٤٤ : عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع).
وفي الصافي ص ٥١١ روى نفس الحديث عن القمي عن الصادق (ع).