فهذه المعرفة في يومهم العصيب لا تغنيهم إلا أملا ليس بواقع ، يأمل الكل على تحسر : لو يفتدي ويستبدل من عذاب يومئذ بمن يملك أمره ومن لا يملكه ، لو يفتدي بأعز الناس عليه ، ممن كان يفتديهم بنفسه يوم الدنيا ، فهو يبتدئ في زعم الافتداء من بنيه الى صاحبته وأخيه ، وهم الأحمّة الأقارب ، ثم الى فصيلته : أمه التي فصل عنها وفصلت هي عنه وهي مع ذلك تؤويه ، ثم الى جماعة فصيلة عنه تؤويه عن مهالكه ، مما يجعلهم كالأحمة ، ثم يبلغ به هذا الأمل المحال الى الافتداء بغير الأحمة والفصائل والى من في الأرض جميعا لكي ينجيه ، فلهفته على النجاة في هوله الحائل بينه وبين عقله ، انها تفقده الشعور ، صورة للهفة الطاغية والفزع المذهل تجننه وتخبطه لهذا الحد : ان لو يفتدي بمن في الأرض جميعا ، مما يصور لنا ثقل العذاب الهائل الذي يفقد الشعور عن أهله أو يضطرهم الى هذه الآمال المجنونة الفوضى!.
كلا! ليس هنا دافع من عذابه ولا فدية مالية : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) (٣ : ٩١) ولا فدية نفسية ولا ما في الأرض جميعا من نفس ونفيس : (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) (١٣ : ١٩) ولو كان لهم ما تقبل منهم : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٥ : ٣٦) وليست الفدية المنفية تختص بالذين كفروا : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٥٧ : ١٥) ، ولأن الفدية من الرشوة وليس في حكم الله رشوة ، وأنها ظلم بحق المفتدى به ، وسماح عمن يستحق العذاب وكلاهما خارجان عن نجد الصواب.
(كَلَّا إِنَّها لَظى ، نَزَّاعَةً لِلشَّوى ، تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ، وَجَمَعَ فَأَوْعى) :
(كَلَّا)! ليست جهنم مما تقبل الفدية ، ف (إِنَّها لَظى) : لهب خالص يتوقد ويلهب عن كفر خالص ، من وقودها الكفار الذين يصلونها موقدين