النار؟ فهل الماء يحمل النار ، لا سيما تلك النار التي لا تبقي ولا تذر فكيف لم يغل الماء؟!
فالجواب : ان المعذب في البرزخ ليس الروح ببدنها الدنيوي الظاهر انما ببدنها البرزخي الذي يساور الروح ، فناره أيضا برزخية غير ظاهرة ، كثوابه ، ولكلّ من العالم الظاهر والباطن حكمه ، والثواب والعذاب البرزخيان ، هما من الباطن بالأسباب الباطنة غير المحسوسة ، ولكنها مدروسة حسب الوحي.
وشاهد علمي على ذلك أن المادة أيا كانت ، إنها تحمل الطاقات الحرارية ، وحسيا : الشجر الأخضر الذي تطلح منه نار فإذا أنتم منه توقدون : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (٣٦ : ٨٠).
فهذا الشجر يحمل خشب الوقود ، وماء الإطفاء ، ونار الإيقاد! رغم انحصار مفعوله في الدنيا ، أفليس الذي يقدر على ذلك بقادر على إحراق الأجساد البرزخية بالنار البرزخية الكامنة في الماء وفي كل شيء مع اختلاف العالمين؟.
وانما يحمل السائل المتعنت المستنكر على هكذا سئوال ، جهله بالبدن المثاب والمعذب في البرزخ ، وبماذا يثاب وبماذا يعذب؟ ثم تجاهله وإنكاره لهذه الشواهد الحسية والعلمية.
(فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) : فمن ينصرهم من بأس الله بعد إذ غرقوا واحرقوا ، وإذ لم يكن أنصارهم بمنجيهم عن غرق الدنيا ، فكيف ينجونهم من غرق البرزخ ولا تنال منه قدراتهم؟ فأين من أضلوهم وآلهتهم؟ ولينصروهم إذ هلكوا في سبيل الصمود على طاعتهم ، ومعصية الله رب العالمين!.
ثم في آخر المطاف من دعوة نوح الطويلة ـ وبعد انقطاع الأمل عن إيمانهم وخيرهم ، وحتى عما يخلفون من أمثالهم ، وبعد التأكد انهم مضلون كما هم ضالون ـ هناك يدعو :
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).