فان صالح الإنسان في صلاحه أو صلاح نسله ، فإذا فقد الجانبين إلى الإضلال فيهما ، لم يبق لبقائه إلا فساد على فساد وسبحان الله عن هكذا إبقاء!
فقد لمح الوحي إلى نوح بمستقبلهم وذريتهم سندا لما عرف عنهم في ماضيهم : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١١ : ٣٦) ف «لن» تنفي ايمانهم ابدا ، ولزامه أن لا يلدوا إلا فاجرا كفارا ، وكما عن باقر العلوم عليه السلام(١).
فقد كانت الأرض بحاجة إلى الإحياء بعد موتها ، وإلى التطهير بعد قذارتها من الشر العارم الذي انتهى اليه القوم في زمنه ، ولم يبق علاج في تطهيرها إلا تدميرهم ، إذ إن في بقاءهم إضلال القلة القليلة ممن آمن معه ، طوال ألف سنة إلا خمسين عاما.
وفيما إذا سئلنا : كيف لا يلدون إلا فاجرا كفارا ، والإنسان أيا كان لا يولد كافرا مهما كان أبواه كافرين ، وإنما الكفر والإيمان منذ التكليف لا الولادة؟
فالجواب : ان خبث النطفة اضافة إلى خبث الجو والبيئة ، لا يلدان إلا فاجرا كفارا ، فان الجو الفاسد الذي أوجدوه ، والبيئة الضالة التي خلقوها ، انهما يوحيان بالكفر من الناشئة الصغار ، فلا توجد فرصة لترى الناشئة نورا ، وقليل هؤلاء الذين يولدون من الظلمات ويعيشونها ، ثم يخالفونها إلى النور ، وقد ولد هذا القليل في هذه المدة الطائلة ولم يبق منهم أحد وفي أنسالهم أيضا ، فلا يعنى من ولادة الفاجر الكفار أنها منذ الولادة ، إنما من حين التكليف ، وإن كانت الولادة الخبيثة والجو الخبيث لهما دورهما الفعال في الكفر والفجور ، فالولادة عن هكذا كفار ، ثم ولادة ثانية تولدهم البيئة الكافرة لحد التكليف ، ثم عفويا الولادة الثالثة
__________________
(١) القمي بسنده عن صالح بن ميثم قال قلت لابي جعفر الباقر (ع) ما كان علم نوح حين دعا على قومه : انهم لا يلدوا الا فاجرا كفارا؟ فقال : اما سمعت قول الله لنوح : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ).