واما انهم كيف اجتمعوا بالرسول لاستماع القرآن ، هل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذهب إليهم؟ أم هم انصرفوا اليه؟ آية صرفهم وحضورهم توحي بالأخير : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ ... فَلَمَّا حَضَرُوهُ ... فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).
وهي تلمح أيضا أن النفر هم وحدهم حضروه دون سواهم ، وتقول الروايات ان الملتقى كان بحراء ولم يكن معه من الإنس أيضا أحد ، ملتقى خاليا عن الأغيار (١).
(وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً
(وَأَنَّهُ) ضمير الغائب هذا للشأن ، وكما في الآيات التالية أيضا : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) : استعراضات رسل الجن لقومهم بشأن الرسالة القرآنية ، وما كان منهم قبلها ، وكذلك قيام عبد الله (أي النبي) بهذه الرسالة السامية.
ف (جَدُّ رَبِّنا) فاعل ل «تعالى» : جملة وصفية تعني : تعالى عظمة ربنا عن اتخاذ الشركاء ، لا : انه «الله» تعالى ، جد لربنا ، رجوعا لضمير الغالب إلى الرب ، ليعني ان الله تعالى هو جد لرب الجن ، فربهم حفيده ، ولزامه اتخاذ الصاحبة للتوليد ، واتخاذ الولد ليولد الرب الحفيد ، وهم يصفونه بنفي الصاحبة والولد! (تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً).
__________________
(١) نور الثقلين ٤٣٠ : ٤ عن علقمة بن قيس قال : قلت لعبد الله ابن مسعود من كان منكم مع النبي (ص) ليلة الجن؟ فقال : ما كان منا معه احد ، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة فقلنا اغتيل رسول الله (ص) أو استطير فانطلقنا نطلبه من الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حراء فقلنا يا رسول الله! اين كنت؟ لقد أشفقنا عليك وقلنا بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك ، فقال : انه اتاني داعي الجن فذهبت أقرئهم القرآن ، فذهب بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، فأما ان يكون صحبه منا أحد فلم يصحبه.