هنا الجن تكذب خرافة اسطورية جارفة هي أن الملائكة بنات الله جاءته من صهر مع الجن (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) (٣٧ : ١٥٨) ، وكانوا هم أحرى أن يفخروا بهذا الصهر لو كان ، ولكنهم في هذه الآيات قذفوا هذه الخرافة المصدقة لتصورات المشركين ممن زعموا أن لله صاحبة وولدا ، وكما أن سفهاء الجن كانوا يتقولون على الله من هذه الترهات والشطحات.
(وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً. وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) :
والقول الشطط هو المفرط في البعد عن الحق ، كشط النهر حيث يبعد عن الماء بحافته ، وما أبعد شطط هذه القطاعة السفيهة من الجن عن هؤلاء الرسل منهم في استبعادهم واحالتهم الكذب على الله من قبيلي الانس والجن ، وهي عصمة في التفكير والعقيدة ، وطهارة بالغة في القلب ، ولكنها يجب أن تعدل بالوحي لكي لا يضلوا بحسن الظن ، فكان لا بد لهم من وحي القرآن ليدلهم على ضلالات الانس والجن ليجتنبوها ، كما يدلهم إلى صراط الحق ليسلكوه.
وقد يقال : إنهم قبل سماع القرآن كانوا يتبعون سفهاءهم في شططهم على الله ، لحسن ظنهم بالانس والجن كافة ، ثم اتضح لهم كفرهم فآمنوا ، ولكنه يتنافى وابتعاثهم الإلهي رسلا للجن ، وان الجن كانوا طرائق قددا (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ).
فهل يا ترى أن الله تعالى انتجب لرسالة الجن غير الصالحين المسلمين مع من فيهم من
الصلحاء؟ كلا! وانهم كانوا أصلح الصلحاء منهم ، على ظنهم ان لن تقول الإنس والجن على الله شططا ، وعلهم ما كانوا ليختلطوا معهم ، ثم بعد المخالطة عرفوا انهم على شطط وفي مقالة الكذب ، وزادهم الوحي عرفانا بالحق والباطل.
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) :
(بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) دليل أن فيهم نساء فلهم ذرية ، و (كانَ رِجالٌ) يوحي بعلمهم بسابق الرهق والتضليل في سفهاء الجن ، قبل أن يسمعوا القرآن ، فظنهم