ان لن تقول الانس والجن على الله كذبا ، انه يسبق هذه المعرفة ، فرسل الجن هؤلاء على طهارة قلوبهم وصفاء ضمائرهم في حياتهم ، لقد مضت عليهم حالات ثلاث :
١ ـ (أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً).
٢ ـ (أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً ... وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً).
٣ ـ (أَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً).
فهم إذا ـ طول حياتهم ـ كانوا بريئين من الشرك والشطط والكذب على الله.
ثم إن العوذ بغير الله هو اشراك بالله ، وانما يستعاذ بالله ممن سواه ، ولقد كان العوذة بالجن بين الجاهلين سنة ، زعم أن للجن قدرة مستقلة على النفع والضر ، فهم محكّمون في مناطق من العالم ، فكان رجال من الإنس يستعيذون برجال من بأس أشرارهم وشرهم ، رغم أن هذه العوذة الجاهلة الملعونة ما زادتهم إلا رهقا واضطرابا وضلالا وحيرة وقلقا تنوش قلوبهم المقلوبة الراكنة إلى الأعداء الضالين : (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) وهذا هو الضلال البعيد أن يستعاذ بالشرير من شره ومن أشرار حزبه ، ولا يستعاذ بالله الذي خلقهم وبيده ناصية كل شيء!.
فالقلب حين يلجأ إلى غير الله طمعا في نفع أو دفعا لضر ، لا يناله إلا زيادة الضر والرهق (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
هذه العوذة العارمة ترهق المستعيذ والمستعاذ به (فَزادُوهُمْ) : رجال الإنس رجال الجن وبالعكس ، وضميرا الغالب يتحملان كلا الاحتمالين ، فالمستعاذ به يغتر بهذه العوذة فيزداد ضلالا وإضلالا ، كما المستعيذ يزداد رهقا وعذابا.
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) :
(وَأَنَّهُمْ) هؤلاء الرجال الضالون من الانس (ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) أنتم الرجال